تاريخ النشر: 15 تموز 2025

دردشة مع القاصة الأردنية جميلة عمايرة: ماذا لو صرت عصفورة حرة لأحلّق في سماء فلسطين وأحطّ في بيسان؟

 

حاورها زياد خداش:

 

من الصعب عدم تذكُّر القاصة الأردنية المتميزة جميلة عمايرة ونحن نتأمل المشهد القصصي الأردني.
جميلة تنتمي إلى جيل التسعينيات، هذا الجيل الذي أسّس للغة سردية مختلفة، مفارِقة وواعية لدورها الثقافي والاجتماعي والوطني.
منذ أولى الصرخات السردية، "صرخة البياض" الصادرة عن دار أزمنة العام 1993، ظهرت ملامح المشروع السردي لجميلة عمايرة: الخروج عمّا اتُّفق عليه، من السير في الطريق المعتاد لغة وموضوعات، وكأنها تقول: "جئت لأكون نسيجاً وحدي".
تؤمن جميلة عمايرة بحق القصة القصيرة في الانفتاح على الأنواع الأدبية الأخرى، وبحقها في اعتبار نفسها ذات هوية أصيلة وراسخة.
في "زيّ" إحدى قرى السلط المطلّة على بيسان تسكن جميلة، وقريباً سيفتتح في أرض حديقتها وبيتها فضاء ثقافي تحت اسم "دارة جميلة"، وستكون أولى الفعاليات تكريم عدد من مبدعي فلسطين والأردن من بينهم الكاتب أسعد الأسعد وإبراهيم نصرالله وتمام الأكحل.. هذه دردشة معها:

*ما أول صرخاتك أو اقترافاتك؟
-أول ما اقترفته في هذا الدرب الشاق والشائك، الصعب والطويل، كانت مجموعتي القصصة "صرخة البياض" وصدرت ضمن سلسلة "تباشير" في وزارة الثقافة بالتعاون مع دار أزمنة للنشر والتوزيع في عمان 1993، وقد أعيدت طباعتها للمرة الثانية، أما ما صدر لي حديثاً فهو مجموعتي القصصية "امرأة سرقها القمر" وكانت بالعام 2022 عن دار خطوط وظلال في عمان.
ولا أزال أحسّني لم أنجز شيئاً.


*تنهضين من نومك، تخرجين من غرفتك وفجأة بيسان أمامك، ما الذي تتخيلينه من حوار بين قريتك (زي) - قرب السلط وبين جبال بيسان أو ضبابها؟
- هذا سؤال صعب وموجع. في الصباح الباكر ولا يزال الناس يغطون في نومهم العميق، أصحو والفجر على موعد. أعد فنجان قهوتي وأذهب للحديقة.
الأفق الأزرق أمامي على اتساعه، لا يعكر صفاءه شيء، فلسطين أمامي، أمام ناظري، بيسان على وجه التحديد؛ سهولها وامتدادها، الجليل الأعلى وحتى بداية جبال الخليل.
صباح الخير بيسان صباح الخير الشمال الغربي كله، والأفق الأزرق بكامل بهائه. بكل وضوحه. بالله أي جمال هذا؟ يلبسني شعور لا أعرف توصيفه. ماذا لو كنت هناك الآن، في هذا الوقت تماماً؟ ماذا لو صرت عصفوراً حراً لأحلق في سماء الله وأحط في بيسان؟ أقبل تراب أرضنا المحتلة أقبلها بكل جهاتها.
لا يزال فنجان القهوة أمامي. أنسي كل شيء، الأفق صاف بكامل زرقته، وضوح تام بالرؤية والرؤيا.
لا بد أن بيسان تنهض مبكرة مثلي. أحيانا لا أتأمل، بل أتأمل لأبكي وعيناي معلقتان بالأفق الأزرق أمامي.
كم يستغرق الوقت وأنا أتأمل، كم من الوقت كي أصل هناك ؟ في حساب الوقت هي ساعات قليلة فقط وأكون "هناك" لكن لحساب الجغرافيا رأي مختلف.
كثيراً ما يلح علي سؤال: هل يرونني مثلما أراهم بيسان وأهلها؟ هل يردون تحيتي؟


* كيف تقرئين مشهد القصة في الأردن. لم نعد نقول ما قلنا سابقاً إن الأردن يمتاز بانتعاش سردي قصصي نسوي. أين ذهبت القاصات؟
- لا أعرف كيف أقرأ المشهد القصصي هنا بالأردن. أو على الأدق لا أجيد قراءته؛ لأنني ببساطة شديدة لست ناقدة متخصصة بهذا الحقل أو باحثة بهذا الشأن. بالرغم من محاولاتي متابعة الجديد وما ينشر من كتابات في هذا الحقل كي لا يفوتني شيء، لكنني أزعم أن مجد القصة القصيرة وتوهجها وتألقها كان في تسعينيات القرن الماضي.
إذ تسيدت المرأة واعتلت المشهد القصصي بمجموعة من الأسماء التي برزت آنذاك برفقة كتاب صاروا الآن من المشهورين، جواهر رفايعة والتي للأسف لا أعرف ماذا حدث لها ونأت بعيداً، زياد بركات ومفلح العدوان، وصاحب الصور الجميلة نبيل عبد الكريم، وهناك سامية العطعوط التي لا تزال بكامل توهجها بهذا الحقل وبسمه النسور التي لم تنشر في السنوات الماضية.
هناك من الكتاب والكاتبات من لا يزالون يقبضون على جمرة الإبداع، وأحب إن أشير هنا لبروز فن القصة أو الأقصوصة أو الشذرات أو الشذرة والتي يمثلها المبدع مهند العزب.


*تكتبين القصة القصيرة منذ وعيت على العالم أدبياً وقد قمت بخيانتها أو بطعنها في الظهر بـ ٣ نوفيلات ما تفسيرك لهذه الخيانة؟
- لا أوافقك هذا الرأي والذي وصفته لحد الخيانة... يا " لطيف" ربما لأنني لا أعتبر أن هناك ثمة خيانة في الأدب.
ثمة تجاور بأنواع الفنون، وثمة تداخل القصة باللوحة وبالقصيدة وبالفيلم والموسيقى وغيرها، أكتب القصة القصيرة بتفان وإخلاص.
بالرغم من كتابه الرواية أو "النوفيلا" كما تسمى، وكان هذا في "بالأبيض والأسود" ونشرت بدار الشروق/ عمان ثم أغنية للشرفة عن دار خطوط وظلال، ومن "اسمي سليماني" عن دار كل شيء في حيفا الحبيبة.
وأعتبر أن لا خيانة هنا، الأمر مختلف تماماً لأن التغيير أو الانتقال جاء من داخل العمل الإبداعي وليس خارجه، كنت أكتب القصة "بكل براءة" لكن حدث أثناء العمل ما استدعى سرداً متواصلاً فرض علي أنا الكاتبة الإذعان لشروطه.
ثمة تغير جوهري استدعى مواصلة السرد والانصياع للحالة الإبداعية التي فرضت شرطها الفني وعناصره، لينتهي برواية قصيرة أو نوفيلا.

*هل تتذكرين أول كتاب قصصي هزّ عالمك الصغير؟
- أتذكر أنه كان كتاب يوسف إدريس. فيما بعد أسرتني كل أعماله الإبداعية العظيمة.


*ما الذي يمكن أن تفعله الطبيعة في الشكل الفني للقصة؟ قرأت مرة شهادة قاص لاتيني يعيش في الخلاء تحت الشجرة بما معناه أن العيش مع الريح يعطي شكل قصته ملامح خاصة. هل توافقين؟
- لا أعرف على وجه الدقة. لا أعرف شيئاً. كل ما أعرفه أنني عشت في غابة والآن أعيش بجوار غابة. وكلما دلفت للغابة أصير إنسانة أخرى.
أشعر بأن ثمة قوة خفية تجذبني نحوها بشدة، الأشجار الخضراء، حفيف الأوراق، الأصوات الغامضة، الروائح الحريفة العابقة، خيوط الشمس التي تتسلل خلسة بين الأشجار، أصوات الطيور والضفادع والحلزون، وما لا أعرفه.
هناك تصير شجرة من أشجارها. هذا كله يمنحني التوازن النفسي الذاتي لأعود إنسانة أخرى لا علاقة لها بما كانت عليه وما آلت عليه.
أعـتقد أن هذا كله له التأثير القوي على ما أكتبه من قصص وروايات.
سواء أكان من ناحية اللغة ودلالاتها المختلفة وإحالاتها من توصيف أو تأويل أو شخوص وأحداث.