تاريخ النشر: 11 تموز 2025

"عُد إلى البيت يا خليل" لكفى الزعبي.. رواية عن فلسطين تأخر "وصولها" 15 عاماً!

 

كتبت بديعة زيدان:

 

احتضن مسرح الشمس بالعاصمة الأردنية عمّان، مؤخراً، إطلاق رواية "عُد إلى البيت يا خليل" للروائية الأردنية كفى الزعبي، الصادرة بالعربية حديثاً عن دار الآداب في بيروت، بعد أن كانت صدرت بالروسية في العام 2009.
الرواية استكشاف وثائقيّ للهوية الفلسطينية، والنزوح، والمجازر، من دير ياسين إلى حصار مخيم جنين في العام 2002، عبر سردٍ تاريخي وعاطفي.
شاركت الروائية كفى الزعبي تجربتها الفريدة في كتابة هذه الرواية، فعلى عكس رواياتها الأخرى، التي غالباً ما انبثقت من مواضيع ومواقف محددة أو لقاءات مُلهمة، وُلدت رواية "عُد إلى البيت يا خليل" من رحم ألم عميق.
بدأت الزعبي كتابة الرواية في العام 2002، خلال حصار مخيم جنين للاجئين واجتياح مدن الضفة الغربية فيما عرف فلسطينياً بـ"الاجتياح الكبير"، وأطلقت عليه سلطات الاحتلال تسمية عملية "السور الواقي"، حيث كان لحضورها المباشر على شاشة التلفزيون أثرٌ عميقٌ عليها، ما دفعها إلى إيقاف عملها المستمر والانغماس في المأساة.
"بعد أن هدأتْ الأحداث، شعرتُ بموجة ألم عارمة وتساءلتُ عن كيفية تحويل هذه المعاناة إلى فن.. بالنسبة لي، الفن هو الوسيلة الأهم لإبقاء الألم حيّاً، ليس لذاته، بل كوسيلة لمكافحته، فمن خلال استحضار المشاعر الإنسانية وتحفيز التأمل في معاناة الآخرين، يمكن للفن أن يُلهم موقفاً ضد الشر ومن أجل العدالة".
رغم أنها ليست فلسطينية، ولم تزر فلسطين قط، ولم ترث ذكرى مباشرة عن الاحتلال، شعرت الزعبي برغبة ملحة في الكتابة عن المأساة الفلسطينية.
وتحدثت الزعبي عن الرواية، ومواضيعها، ورحلة نشرها، وردود الفعل عليها، لا سيما في روسيا والعالم العربي، مشددةً على القيمة الفنية لها، وعلى مضمونها السياسي، مُؤكدةً على أن الفن، حتى في تصويره للألم والقبح، يجب أن يحتفظ بجماله، فالرواية تستكشف ديناميكيات زمنية مُعقدة، حيث يتحرك الزمن للأمام والخلف، دون إغفال جدلية مفهوم الحياة والموت، خاصة مع تواصل تأثير الموتى على الأحياء، لافتة إلى أن "الموتى لم يرحلوا حقاً، بل هم بمثابة دافع للأحياء للمقاومة والدفاع عن أرضهم، لا سيما في سياق القضية الفلسطينية".
وتناولت حوارية إطلاق الرواية جزءاً كبيراً من الحديث حول التحديات التي واجهتها الرواية أثناء نشرها.. وكشفت الزعبي: في البداية، كانت الرواية، موجهة للجمهور الروسي، وواجهت صعوبة بالغة في إيجاد ناشر في روسيا العام 2002، بسبب النفوذ والسيطرة الصهيونية على المجالين الثقافي والإعلامي.
نُشرت الرواية في دار الآداب، هذا العام، في ظل حرب الإبادة المتواصلة على غزة، التي أعادت إشعال الاهتمام بالسرد الفلسطيني، فيما أنتج مسرح الشمس في عمّان مسرحية مقتبسة من جزء منها بعنوان "يا طالعين الجبل"، محققةً نجاحاً ملحوظاً، ومُظهرة، دون خدش النص السردي الأصلي أو إجراءات تعديلات جوهرية أو حوارات إضافية، قوة أسلوب الرواية النثري في إطار درامي، بحيث أكدت المسرحية على فكرة أنه حتى عندما تبدو القضية خاسرة، فإنها تستمر، ويعود أبناؤها في النهاية.
بدوره لفت د. يوسف ربابعة الناقد والأكاديمي الأردني، إلى أن رواية "عُد إلى البيت يا خليل"، ومن منظور فني، تخلق عالماً موازياً تُعاش فيه الأحداث من خلال الخيال والسرد، عوضاً عن الاعتماد على الوقائع فقط، حيث وظفت عناصر التلاعب الزمني، والوصف المكاني المفصل، بهدف تعزيز انغماس القارئ في السرد، مشيراً إلى أن عنوان الرواية بُني على ثلاثة عناصر أساسية: العودة، والوطن، والإنسانية.
وأشار ربابعة إلى أن السرد لدى الزعبي في هذه الرواية اعتمد على بنية ثلاثية الأبعاد في استكشافه للمواضيع والمواقع والأطر الزمنية والشخصيات وأساليب السرد، فعلى سبيل المثال، تُصنف المواقع إلى المخيم والحدود والمنفى، والزمن إلى الماضي والحاضر والمستقبل، والشخصيات إلى الجد والأب والحفيد، وأساليب السرد إلى الواقع والأحلام والهواجس، كما أن دور الراوي متعدد الأوجه، يشمل الشخصيات نفسها، والراوي الفعلي، والمؤلف راوياً.
ووجد ربابعة أن الرواية مشبعة بمشاعر عميقة، وغالباً ما تُعلي من شأن التأثير العاطفي على حساب الالتزام الفني الصارم، وهو ما يتجلى عندما تُعبّر الزعبي عن غضبها العميق وحزنها وألمها وقهرها وعجزها تجاه الأحداث التي تصفها، متطرقاً إلى انخراطها الشخصي في السرد، المبرر إنسانياً، فهي تهدف إلى أن تكون مشاركة في المعاناة، لا مجرد مُراقبة من بعيد، مُحوّلةً الألم إلى تعبير فني حيّ بدلاً من مجرد حكاية للتسلية، وهو ما سمح لها بالعيش في تجارب الشخصيات، واستكشاف مخاوفهم وآلامهم وأحلامهم، كما أن الرواية تعكس المأساة الفلسطينية المستمرة من مجازر وتهجير ولجوء، دون التخلي عن الأمل المُستمر في العودة، كما تُعتبر سجلاً يوثّق الفظائع المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، من قتل وتعذيب وترهيب وتشويه.