
كتب يوسف الشايب:
فقدت الحركة الثقافية الفلسطينية عامة، والمسرحية خاصة، ركناً أساسيّاً من أركانها برحيل الفنان المسرحي القدير عادل الترتير، أمس، عن عمر يناهز 74 عاماً، بعد رحلة صراع مع المرض.
ونعت وزارة الثقافة في بيان لها، أمس، الفنان الترتير، صاحب مشروع "صندوق العجب"، وأحد رواد مسرح الدمى، والحكواتي الشعبي الذي كرس حياته للفن وإحياء التراث الشعبي ونقله للأجيال.
وقالت الوزارة في بيانها إن المسرح الفلسطيني خسر قامة وطنية وإبداعية كبيرة، إذ سيظل إرثه الإبداعي حياً في وجدان الأجيال، وأن رسالته ستبقى منارةً لكل المسرحيين والفنانين وحماة التراث.
ونعت العديد من المؤسسات والفرق المسرحية الفلسطينية والعربية الراحل الترتير، كما هو الحال بالنسبة لفنانين عاصروه وشاركوه في مسرحياته، أو كانوا على صلة ما به، مقدرين دوره الكبير كأحد مؤسسي المسرح الفلسطيني الحديث، نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي.
والترتير من مواليد شهر آب في العام 1951، في قرية رافات بين القدس ورام الله، "على يد الداية إم جودة"، كما كان أشار على موقعه الإلكتروني الرسمي، لافتاً إلى أن جذور أسرته تعود إلى اللّد، وهُجرّت إباّن النكبة واستقرت تحت شجرة قرب رام الله سرعان ما سقطت أوراقها في الخريف، لتستقر الأسرة في سقيفة الزينكو حيث وُلِدْ، وما أن أطبق الأربعين يوماً من العمر حتى وجد نفسه مع التنك والحديد والخشب، فوق حمارٍ سار بهم نحو منطقة "عين منجد" في رام الله.
كانت الإرهاصات المسرحية الأولى، في "عين منجد"، وهي التجربة التي ولّدت لاحقاً “مسرح السقيفة”، حيث كان يحوّل السقيفة العائلية لحالة مسرحية تشعره بالمسؤولية، وتملؤه بالشغف، قبل أن يمضي للمساهمة في تأسيس حركة مسرحية فلسطينية.
ما بعد احتلال ما تبقى من فلسطين في العام 1967، حاول أن يصنع مقاومة ما بالمسرح الذي كان يرى فيه ملجأه، فتوجه إلى القدس، وهناك تعرّف على مجموعة من الشبان والشابات، وانضم إلى فرقة مسرحية في طور التكوين، وانخرط في العمل المسرحي الجماعي والارتجال والنقاش والجدل والتباحث والتخيل والتأسيس لحالة مسرحية حقيقية، لتتشكل فرقة "بَلالين" المسرحية، وكان أول أعمالها يحمل عنوان “قطعة حياة”، تلتها “العتمة”، و“نشرة أحوال الجو”، و“ثوب الإمبراطور”، و“الكنز”، و“شجرة الجوز ويونس الاعرج”، و“تربايتك عمي”، و“تع تخرفك يا صاحبي”، و “عنتورة ولطوف”، كلها أعمال أُنتجت وعُرضت خلال السنوات الخمس التي تبوأت فيها فرقة "بَلالين" دفة القيادة للحركة المسرحية الفلسطينية.
في العام 1975، أسس الترتير مسرح "صندوق العجب" كترجمة عملية لشعار “حياتنا المسرح والمسرح حياتنا”، رفقة الفنانين الراحلين: فرانسوا أبو سالم، ومصطفى الكرد، وأنيس البرغوثي، حيث قدموا مسرحية “لما انجنّينا”، ومن ثم مسرحية “تغريبة سعيد ابن فضل الله”.
وشكلت مونودراما "راس روس"، وكتبها وجسّدها وأخرجها الترتير، نقطة تحوّل في مسيرته الفنية، باعتبار أنها أول مونودراما فلسطينية جُسدت على الخشبة، وكان ذلك في العام 1980.
بعد المرحلة المفصلية التي أنتجت مسرحية “راس روس”، عمل الترتير، ومن تبقّى معه، في مسرح صندوق العجب على الخروج بإنتاجات عدة، من قبيل: مسرحية “من يعلق الجرس”، ومسرحية “الحقيقة”، ثم مسرحيتَي “الأعمى والأطرش”، و“القبعة والنبي” بالاتكاء على نص للشهيد غسان كنفاني.
وتبعاً لجملة التغييرات التي حصلت في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وحتى رحيله، وظّف الترتير التراث القديم لصندوق العجب، وأقرنه بتوأمه الراوي الحكواتي "أبو العجب"، كما كان يصفه، كتجسيد لشكل مسرحي متكامل جديد، يحتمل مواصفات ومقوّمات العمل المسرحي الجاد، وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، وحتى رحيله، لم يكفّ عن التجريب والتطوير المستمر لهذا الشكل المسرحي، ما ولّد أكثر من عشرة أشكال وأصناف فنية مسرحية لصندوق العجب، بحيث جابت حكايات "أبو العجب" كافة أنحاء فلسطين ودولاً عربية وأجنبية أُخرى.
هذا وقد تم تشييع جثمان الترتير من البلدة القديمة في مدينة رام الله، حيث منزله، بعد ظهر أمس، بحضور حشد من أقربائه وأصدقائه.