
بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي
ثمة انطباع بأن دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو يتقدمان بسرعة نحو صدام جبهوي في المسائل الجوهرية الإقليمية والعالمية عظيمة المعنى. بالنسبة لترامب فإن الانهاء السريع للحرب في غزة يُعتبر مدماكاً ضرورياً في بلورة وبناء إرثه كزعيم مصمم، يعمل بلا كلل على تسوية نزاعات وأزمات خطيرة أو على الأقل تحقيق الاستقرار.
مثلا طلب منذ الآن الحظوة على دوره في وقف النار في المواجهة العنيفة بين الهند والباكستان، ويحتمل أن يفلح في انهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. لجبهة غزة معنى خاص بالنسبة لتطلعه إلى أن يتخذ صورة الوسيط الخبير، إذ يدور الحديث عن شرط ضروري للتقدم في منحى طموح في مركزه إعادة تصميم الشرق الأوسط كله على أساس السيطرة الأميركية. يفترض أن تقوم هذه السيطرة على أساس صفقات تبادلية بين واشنطن ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، فيما توفر الإدارة الأميركية لحلفائها الإقليميين سلاحا حديثا ومتطورا، مقابل استثمارات كبرى من جانبها في الاقتصاد الأميركي، كمقابل لتعزيز مكانتها العسكرية في المنطقة.
هكذا ينشأ، بعيون البيت الأبيض، تحالف إستراتيجي وسياسي واسع يمكنه – بدعم واسناد من القوة العظمى الأميركية – التصدي للتهديد الإيراني او لكل تهديد آخر (إقليمي او عالمي) يتحدى استقرار المنظومة الآخذة في التشكّل.
لكن فيها وردة وشوكة: الحلقة المركزية في المبنى الجديد، التي هي تطبيع إسرائيلي – سعودي لا تزال ناقصة. الشروط المبكرة لها، التي وضعها الشركاء المفضلون لواشنطن في السعودية – والتي هي انهاء القتال في غزة وإعلان أولي من إسرائيل عن افق سياسي في المسألة الفلسطينية – لم تتحقق بعد. فقد فضّلت حكومة بنيامين نتنياهو، حاليا، توسيع المناورة البرية في غزة على بطاقة الدخول الى الشرق الأوسط الجديد لاعباً مركزياً.
فرّق تسد
في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين كانت إسرائيل الجهة التي بادرت، بدعم من الرئيس آيزنهور، الى «حلف بلدان المحيط» بمشاركة ايران، تركيا، واثيوبيا، لأجل صد الموجة الراديكالية من انتاج مصر الثورية. هذه المرة، كما يبدو، تختار البقاء خارج الصورة والاندحار الى هوامش المنظومة الإقليمية المتبلورة.
عشية رحلة الرئيس الـ 47 الى السعودية، الامارات، وقطر لم يعد ممكنا إخفاء الصدوع المتسعة بين الحليفتين القديمتين. عملياً، «العلاقة الخاصة» بين إسرائيل والولايات المتحدة، التي لا يمكن التقليل من أهميتها، تجد نفسها تحت حركة كماشة تاريخية. ثمة تهديد حقيقي لهذه العلاقات يأتي من جانب الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي في الوقت الذي يوجد فيه ميل انعزالي - «اغترابي» من جانب الجناح الانعزالي في الحركة الجمهورية.
صحيح أن الإدارة الأميركية تتقدم في مسارات منفصلة، وفي أحيان قريبة مستقلة، مع كل لاعب شرق اوسطي مستعد ليدخل في شراكة تجارية مع السيد الأميركي، لكن درة التاج – التطبيع الإسرائيلي السعودي – لا تزال ناقصة. تنفيذ «قمة الابداع» الترامبي، الذي إحدى مراسيه اتفاقات إبراهيم، بقي جزئيا فقط. وقد أنشأ كل هذا احباطاً، غضباً، وخيبة امل في البيت الأبيض تجاه نتنياهو.
في بداية الازمة برزت مظاهر الإحباط أساسا للإشارة الى نتنياهو بانه «يدوس» على الاقدام الأميركية في النقاط المهمة للإدارة، مثل الإعلان عن مفاوضات مع ايران دون التشاور مع إسرائيل، واتفاق وقف نار مع الحوثيين بينما تتواصل النار هنا، والقفز عن القدس في الرحلة السياسية الى المنطقة.
الآن، أصبحت مظاهر الاستياء شبه علنية. يبدو ان ترامب وويتكوف على حد سواء يصعب عليهما ان يفهما المنطق الاستراتيجي الكامن في استمرار المراوحة الإسرائيلية في المستنقع الغزي، ما يبدو في نظرهما قتالاً عديم الغاية والجدوى.
هدف الرئيس
لما كان الحديث يدور عن رئيس حار المزاج وفظ الأسلوب، يسعى الى تقدم سريع وانجازات فورية، يمكن التقدير انه حيال تسويف نتنياهو، فان أزمة «إعادة التقويم» في العام 1975 تصعد من جديد من طي النسيان في صيغة كدية اكثر بكثير. الخطوة الدراماتيكية بلا دور إسرائيلي وفي مفاوضات مباشرة مع «حماس»، والتي أدت الى تحرير الجندي الإسرائيلي الأميركي، عيدان الكسندر، هي فقط جزء من الخطوات التي من شأنها أن تلبد الغيوم اكثر فأكثر في السماء فوق العلاقات الخاصة.
لاحقاً قد يأتي أيضا دمج «حماس» في الحكم في غزة في «اليوم التالي»، حتى وان كان ظاهراً في مستوى «سياسي» فقط وليس منظمة عسكرية، وكذلك السعي إلى اتفاق نووي مع ايران بلا تشاور، وتأييد المشروع النووي السعودي المدني بلا ضوء اخضر من إسرائيل. أمامنا رئيس مصمم على ان يواصل التقاليد الفاخرة لتسوية النزاعات في مقدمة الساحة الدولية، والتي تعود بدايتها الى الرئيس ثيودور روزفيلت، الذي كان في العام 1905 عراب اتفاق السلام بين روسيا واليابان، وتواصلت بمبادرات الوساطة لوزير الخارجية الأسطوري، هنري كيسنجر.
لم تكن إسرائيل أبدا جمهورية موز تقول نعم، هكذا يظهر التاريخ. اما الآن فيبدو أنه يوجد تطابق بين رؤية الأهداف الاستراتيجية لادارة ترامب وبين مواقف جماهير واسعة في إسرائيل. سيصعّب هذا الواقع على نتنياهو أن يقود المعركة السياسية التي أدارها ضد إدارة أوباما، ضد البيت الأبيض الحالي، إذ انه هو وحكومته، الذين وضعوا في رأس سلم اولوياتهم بقاءهم السياسي، يفتقرون لدعم إسرائيلي داخلي واسع بما يكفي كي يفعلوا هذا بنجاح وبمدى بعيد.
عن «إسرائيل اليوم»