يُجمع الناس في فلسطين على أن الانتخابات حق مشروع لا مساومة عليه، خصوصاً أنه حق غير ممارَس منذ سنوات طويلة مضت، وهذا الغياب ترافقه أدوات أخرى من التعيين والتزكية وعدم القدرة على التأثير على صناعة القرار، لأن قنوات التأثير مسدودة أصلاً ولا تسلك إلا بالانتخابات كمكوّن من مكونات الديمقراطية.
في ضوء هذا الواقع صدر تعديل نظام انتخابات أعضاء الهيئات المحلية بالقراءة الأولى، وهو تحريك للمياه الراكدة في ملف الانتخابات تضمن المنافسة وعدم اللجوء للتزكية، الدفع بالكفاءات إلى المجالس البلدية على حساب هيمنة العائلية التي تعتبر نفسها صاحبة القول الفصل، زيادة مشاركة المرأة الزامياً والشباب، وجعل المواطن يختار أسماء من القائمة المغلقة، بحيث يتاح له ترتيبها لأول خمسة أسماء، وهذا يدفع كل القوائم الى حسن الاختيار لمرشحيها لأنها خاضعة للترتيب من الناخب ولا يوجد موقع مضمون في القائمة.
وفي مؤشر آخر جاءت انتخابات نقابة المهندسين - مركز القدس التي جرت الأسبوع الماضي، وهذه مهمة ولا يجوز أن تعتبر حدثاً بعيداً عن المشهد العام لأنها من صميم المشهد، ولا بد أن يواكبها تحليلات من عيار نسبة المشاركة في الانتخابات، وننسى تماما أن مدينة فلسطينية فاز مجلسها البلدي بنسبة مشاركة بلغت 18%، واعتبر إنجازاً بناء على النتائج وليس نسبة المشاركة!!!!، ويصبح الحديث عن غياب مشاركة المرأة رغم أهميته، وظهرت المناطقية والحاجة لإعادة التثقيف لتهذيبها، بحيث لا يصبح نمطا أن محافظة لا تمنح صوتها لقائمة لأن مرشحها للنقيب ليس منها.
وبعد هذه المعطيات وخلالها لم يكفَّ جزء من المجتمع عن تجميع كل الملاحظات وطرحها بكثافة للتقليل من أهمية التوجه نحو الانتخابات (وقد لا أكون على صواب انه توجه) ويصبون جام غضبهم على كل شيء يتعلق بالانتخابات، بحيث يحولوها الى عثرة ومسألة سلبية وليست نقطة انطلاق، ويصبح من له شأن ومن ليس له شأن متاحاً له توزيع الاتهامات فقط لوضع العصي في الدواليب، وهم لا يعرفون كم ضغط جزء لا بأس منه لتحريك ملف الانتخابات دون عقدة النتائج، بل الأمر كله الانتخابات.
لم يعد هناك مع تحريك ملف الانتخابات جزئياً معيار اسمه ( التاريخية ) بمعنى فلان وفلان شيوخ المهندسين من كل القوائم، بالتالي يتم التعاطي معهم كثوابت، وإذا استثنوا تقوم الدنيا ولا تقعد، ويباشرون بضخ الاعتراضات من باب (روحت حتى أن هؤلاء الشيوخ يتوحدون معاً من كل القوائم وقد يكون المتابع عن بعد قادراً على أن يلاحظ، اليوم وجود جيل شاب راغب بالتحرك لتطوير مؤسسته وقول كلمته في العمل النقابي وكان يصطدم دائما بمقولة: انك شاب لا زال أمامك الوقت لتصبح قادراً، واليوم اندفعوا بهمة الى المقاعد الأمامية واحدثوا تغييراً في المشهد الانتخابي.
ولا أرى ضيماً أن يسارع المستوى السياسي بتقديم التهنئة للعرس الديمقراطي، وأعتقد أن الذكاء يتيح لنا إطلاق العنان لهذه المبادرة بالتهنئة لتصبح مرجعاً في حال تسببوا بتعطيل أي انتخابات طالما انهم متحمسون لها بهذا الاهتمام، وقد يطعن طرف سياسي آخر بالانتخابات من باب النتائج وطرح سلبيات في التعاطي مع الانتخابات، منطلقها سياسي فئوي وليس معياراً يحفز على الانتخابات، وهذا يؤخذ عليه وليس له، لأنه يتعامل بمزاجية معيارها النتائج وليس مسار الانتخابات، وهذا ايضاً يشكل موقفاً وليس شيئاً عابراً.
ويظل مجمع النقابات المهنية في القدس تاريخياً مركزاً لصياغة التوجه الوطني العام، ومن لا يتذكر نعينه على التذكر أن اكبر مؤتمر شعبي ضد الحلول المجتزأة للقضية الفلسطينية نظم في المجمع عام 1979، وانطلقت لجنة التوجيه الوطني منه، ولعل هذا مؤشر مهم لاستعادة الدور الصحيح وليس تشويه أي رأي مضاد.
aya2abd@yahoo.com