
كتب يوسف الشايب:
اغتالت قوات الاحتلال فجر أمس، الفنان التشكيلي والسينمائي والمسرحي ضرغام قريقع وعائلته، بعد استئنافها حرب الإبادة بغارات جوية على مختلف مناطق قطاع غزة، ما خلّف مئات الشهداء والمفقودين والجرحى.
وُلد قريقع في العام 1997 بمدينة غزة، ودرس التصميم الداخلي والديكور، وكان قبل الحرب يعمل في مجال الفنون البصريّة والسينما، متميزاً بأسلوبه التعبيري، هو الذي عرف في أوساط رفاقه بـ"ضرغام الرسّام"، وكان يحب أن يُسمي نفسه "حفيد فان غوخ".
ومع نزوحه من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، متجهاً إلى أكثر من مكان كغيره من سكان شمال القطاع، قدّم قريقع عدداً من المبادرات التي استهدفت النازحين عامة في مخيمات اللجوء، والأطفال منهم على وجه الخصوص.
ومن هذه المبادرات كانت "سينما المخيم"، التي كان الأطفال النازحون يكتظون لمشاهدة عروضها، والتي دشنت بفيلم لقريقع نفسه حمل عنوان "يوميات نارح"، تدور حكايته حول أسرة نازحة تعيش في خيمة، وتتحدث عن معاناتها في تحصيل قوت يومها، ومعاناتها أمام "التكياّت"، وطابور المياه، وغيرها من الطوابير التي أرهقت كاهل الأسر وخاصة الأطفال، ويمثل فيه ثلاثة أطفال وشاب وفتاة.
وكان قريقع جال بعروضه السينمائية عدداً كبيراً من مخيمات النزوح في "رفح"، و"خان يونس"، و"دير البلح"، و"النصيرات"، لأطفال غالبيتهم لا يدركون معنى السينما، ولم يسبق لهم أن شاهدوا عرضاً سينمائياً حقيقيّاً، ولو مرّة واحدة، في ظل حصار غزة منذ 18 عاماً، وما تلاه من عدوان تلو الآخر، وصولاً إلى حرب الإبادة الأخيرة.
وكان الشهيد قريقع يقف بين الأطفال النازحين في المخيمات المستحدثة، ليوزع عليهم التذاكر المجانية للعرض، لعلهم يشعرون بأجواء السينما الحقيقية.
كان وفريقه يجلبون للأطفال داخل المخيمات سينما حقيقية تشتمل على مسرحٍ ومعدات البث، وتتخذ موقعاً بعينه، وهي الفرصة التي لم تتح لأغلب الأطفال على أرض الواقع من قبل، مبيناً، في حديث صحافي سابق، أن هدفه الرئيس من هذه العروض، تقديم الدعم النفسي للأطفال، وإدخال الفرح إلى قلوبهم.
ونعت مؤسسة "فيلم لاب فلسطين"، ومقرها مدينة رام الله، الفنان الشاب ضرغام قريقع، الذي استُشهد وعائلته صباح أمس، إثر قصف للاحتلال الإسرائيلي استهدف منزل عائلته في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، الذي عاد إليه بعد الهدنة، مشددة في بيان لها: برحيل قريقع، تخسر الساحة الثقافية الفلسطينية صوتاً جريئاً، وشغفاً لا يعرف الانطفاء، وفناناً آمن بأن السينما قادرة على إضاءة العتمة، حتى في أشد اللحظات قسوة.
كان ضرغام، وفق البيان، شريكاً لمؤسسة "فيلم لاب فلسطين" في تنفيذ العروض السينمائية للأطفال في غزة، مؤمناً بأن السينما نافذة نحو الأمل، وساحة مقاومة للحزن والخوف، خلال النزوح، بحيث لم يستسلم للظروف القاسية، بل أسس مشروع "سينما المخيم"، ليحمل الأفلام إلى الأطفال المحرومين من طفولتهم، ويمنحهم لحظات من الفرح وسط الدمار، وفق البيان.
وكشفت المؤسسة أنه كان من المقرر أن يطلق قريقع، في الأيام المقبلة، سلسلة عروض سينمائية متنقلة للأطفال في مراكز النزوح، استمراراً لرسالته في جعل السينما مساحة للأحلام في واقع يضيق بها.
وكان قريقع والفريق المرافق له يعاني في الإعلان عن عروضه، خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي وصعوبة الاتصال بالإنترنت داخل المخيمات، لذلك لجؤوا إلى تعليق يافطة في مدخل كل مخيم يريدون تقديم عرض فيه، في حين كانوا يضطرون لتشغيل أجهزة الصوت عبر مولد كهرباء يعمل بجرة غاز.
و"يوميات نازح" لم يكن أحد أفلام عروضه فحسب، بل كان قبلها، عنواناً لسلسلة عروضٍ مسرحية كوميدية ساخرة تحاكي حرب الإبادة، ويتجول فيه متفاعلاً مع الأطفال ممن فقدوا أحبتهم ومنازلهم، وباتوا يعيشون في الخيام كما هو، بهدف بث أجواء الفرح والسرور على النازحين الذين حرموا منها لقرابة عام ونصف العام.
وفكرة مسرحيات "يوميات نازح" كانت تحاكي الوضع المأساوي الذي يعيشه النازحون في الخيام، وظروف غلاء المعيشة والحصار، بقالب كوميدي، وجاءت وفق قريقع لتصف حالة التكيّف السلبي مع الأوضاع الصعبة بأسلوب ساخر.