تاريخ النشر: 17 آذار 2025

"زمن" ريما ملحم.. لوحات تواجه عتمة الاحتلال بألوان مُشعّة

كتبت بديعة زيدان:

 

عادة ما ترافق الألوان القاتمة اللوحات التي تحاكي الحروب والمآسي، وتكون أكثر سوداوية بما يتلاءم مع سوداوية يوميّات تزداد مأساوية كل يوم، منذ عقود، خاصة إذا ما كان الحديث هنا عن الواقع الفلسطيني.
لكن الفنانة والناشطة ريما ملحم، اختارت في معرضها "زمن"، الاتجاه إلى ألوان مُشعّة، في فعل مقاومة بالأمل تارة، والغضب تارة أخرى، لحرب إبادة تتواصل، بحيث تجعل ثقافة الحياة التي يتمسك بها الفلسطينيون، عبر تسع وثلاثين لوحة، في مواجهة ثقافة الموت والتقتيل التي ينتشي بها الاحتلال في غزة والضفة بما فيها القدس، وسائر الجغرافيا الفلسطينية.
وجاء المعرض، الذي افتتح، مساء أول من أمس، في جاليري "إطلالة اللويبدة" بالعاصمة الأردنية عمّان، وبالتعاون مع جمعية تواصل الثقافية، لمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
وفي "زمن"، وهو المعرض الشخصي الأول لملحم، ثمة لوحات تحاكي حالة الفرح التي رافقت الغزيّين، عقب إعلان الهدنة، فتبدو شخوصها متسلحة بالشموع، وكأنها "قناديل الفرح"، كما تصفها صاحبتها، التي أشارت إلى لوحة تشييع الشهيد، التي لم تخلُ من فرح أيضاً عبر زغاريد الأمهات، مشددة على أنه "فرح بالنصر، وانتهاء ويلات الحرب".
وترصد الفنانة الأردنية التي تعود جذورها إلى "حلحول" بمحافظة الخليل، في بعض اللوحات، يوميّات حرب الإبادة على غزة، وتواصلت لخمسة عشر شهراً، كتلك اللوحة التي تتحدث عن انتظار الأهالي لمعونات الإغاثة التي من المقرر أن تهبط من السماء إلى حيث هم على شاطئ البحر، لتصور في أخرى فرحتهم، ولو لبعض الوقت، بكسر حالة الجوع التي يفرضها الاحتلال عليهم، ولا يزال.
ولم تغب المجازر الناجمة عن القصف الوحشي، أو الخيام التي هي عنوان اللاجئ الفلسطيني، عن لوحات المعرض، لكن دون أن يتسلل شعور باستدرار العواطف عبرها، أو بانسداد الأفق لجهة تعميق المعاناة، بقدر ما يسيطر الأمل، عبر تكوين التشكيل فيها، والمساحات الرحبة، وطبيعة الأجساد والوجوه أيضاً.
وتحدثت ملحم خلال جولة خصّت بها "الأيام" في المعرض، عن تلك اللوحة التي سمتها "عين غزة"، مشيرة إلى أن غزة كلها تنظر بقوة هنا إلى عين الشمس، وكأنها تصدح بأن "نحن هنا"، بأجسادنا وبحرنا وما تبقى من بيوتنا.
وهذه القوة تجسدت في عديد اللوحات، من بينها تلك التي يكنس فيها الفلسطينيون أرضهم في "عز الحرب"، في تعبير رمزي عن كنسهم للاحتلال، وهو ما يمكن الاستدلال عليه أيضاً عبر الرسم الطولي للفلسطينيين في اللوحات، بما فيه من تعبير عن شموخ وتحدٍ وإباء، وصمود أيضاً، حتى أنه في لوحة ما يبدو جدار الفصل العنصري متقزماً أمامهم.
وكان في "زمن"، لوحات ترصد لحظات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، في صفقة التبادل الأخيرة، وخاصة تلك الأحضان المليئة بكافة المشاعر المتناقضة، وذلك الفرح الذي تم التعبير عنه بطرائق عدّة.
ولم تُغفل ملحم، العودة في بعض اللوحات إلى التراث الفلسطيني، المديني والريفي والبدوي، فتظهر نساءً فلسطينيات في الحقل، لا سيما في مواسم الحصاد، التي كانت تشكل مساحات زمانية للفرح.
وأشارت ملحم في حديثها لـ"الأيام"، إلى أن "البلاد" بأكملها وبما تعيشه كانت نصب عينيها، وهي ترسم لوحات هذا المعرض، التي يمكن أن تنسحب تأويلاً على جغرافيات أخرى في العالم، وإلى أنه لا يمكن للفنان أن ينفصل عن واقعه، مشددة على أن المعرض وإن كان يحاكي الحالة الفلسطينية، فإنه ينسحب على ما يحصل في العديد من الدول العربية خاصة، والدول التي تعاني من الحروب في العالم، "فلا يمكن لأي كان تقييد ماهيتي أو محو هويتي وعروبتي".
ولا يمكن إغفال تلك اللوحات التي تُظهر "المُقاوم" عملاقاً، وتظهر المجاميع الفلسطينية تواصل المسير إلى حيث تريد، أو إلى حيث الشمس، وكأنها رسالة بأن شعب الجبّارين لن يتوقف عن النضال، رغم تخلي الكثيرين عنه.