"تعاملت مع كلّ نزوح وكأنه إقامة فنّية"

كتب يوسف الشايب:
أعلنت وزارة الثقافة، صباح أمس، الفنان التشكيلي الفلسطيني باسل المقوسي شخصية العام الثقافية للعام 2025، بالتزامن مع يوم الثقافة الوطنية، الذي أقر ليكون في ذكرى مولد الشاعر الكبير محمود درويش.
وأشار وزير الثقافة عماد حمدان، في مؤتمر صحافي احتضنه مقر الوزارة بمدينة البيرة، إلى أنه تم اختيار المقوسي وفقاً لمعايير شخصية العام الثقافية ومحدداتها، واستناداً لتصويات لجنة اختيار شخصية العام الثقافية، "باعتباره من أبرز الفنانين التشكيليين المعاصرين في فلسطين، حيث له العديد من المشاركات والإقامات الفنية المحلية منها والخارجية، كما ساهم في إثراء دور الفن الفلسطيني التشكيلي، كما كان له دور مميز في تعزيز مفهوم الفن المقاوم، والفن من أجل توثيق الحياة الفلسطينية وهمومها، وخاصة في المحافظات الجنوبية في قطاع غزة، ودوره الدائم في نزع الخوف من عيون وقلوب أطفال القطاع، لاسيما في حرب الإبادة الأخيرة، وفي الحروب السابقة على القطاع، وعلى شعبنا هناك، حيث بقي يحمل فرشاته وألوانه ليواجه هذا الوجع، ويوثق الحياة الثقافية الفلسطينية، من خلال لوحاته المتميزة، ورؤيته العميقة المبصرة للفلسطيني".
بدوره لفت الفنان المقوسي إلى أن دافع ما قام به من توثيق للحرب بالرسم، ومن نشاطات مع الأطفال في خيام النزوح، كان الحفاظ على إنسانيته، مستوحياً ذلك من حكاية كان قرأ عنها قبل الإبادة حول فيتنامي كان يشعل شمعة يومياً متمنياً إنهاء الحرب الأميركية على بلاده، وعند سؤاله عن فعله هذا، شدد على أن إشعال شمعة يومياً فعل لن يُوقف الحرب، لكنه فعل يحافظ على الإنسانية والكرامة والأمل.
وشدد المقوسي على أنه تعاطى مع كل مكان كان ينزح إليه بمثابة إقامة فنيّة، وليس نزوحاً، لذا فكان يعمل على توثيق يوميات حرب الإبادة تبعاً لمشاهداته رسماً، علاوة على تنظيم فعاليات يتم من خلالها تعليم الأطفال على الرسم، وتنمية مواهبهم، مضيفاً: أحاول رسم ما لا يمكن رصده عبر الكاميرات، أو لا ترصده كما نحن نراه.. كنت أسعى على الدوام إلى الحفاظ على الأمل، وعلى روح التفاؤل، عبر الاستمرار على قيد الابتسام، بحيث لو متّ أموت مبتسماً، خاصة أنني كنت أقوم بما أحب، متحدياً آلة القتل الاحتلالية الوحشية من طائرات وبارجات ومدافع وغيرها.. عشت الإبادة وأنا أقاوم بالفن.
والمقوسي فنان تشكيلي ومصور فوتوغرافي فلسطيني، من مواليد مدينة غزة في العام 1971، وهو أحد مؤسسي "شبابيك من غزة للفن المعاصر"، وكان شارك ما بين الأعوام (2000 - 2003) في أكاديمية الفنون الصيفية في دارة الفنون "مؤسسة خالد شومان الثقافية" بالعاصمة الأردنية عمّان، هو الذي درس العلاقات العامة والإعلام، وعمل في جمعية جباليا للتأهيل، التي عبرها استعاد نشاطه الابداعي، بحيث بات مُعلّماً للفنون والرسم لرواد الجمعية.
وشارك المقوسي في العديد من المعارض الفردية والجماعية المحلية والعربية والدولية، وحاز الجائزة البرونزية لأفضل صورة من اتحاد المصورين العرب في أوروبا، ومقره في ألمانيا العام 2008، وجائزة بينالي قناة "النيل" الثقافية في العام 2009.
واشتهرت للمقوسي عدّة مقولات، ارتبطت بالعدوان تلو الآخر على القطاع، ومن بينها:" الفن هو الهواء الذي نتنفسه"، وكان ذلك عندما دمر الاحتلال منزله في عدوان العام 2008، حيث قام بالنبش بين الأنقاض لينقذ ما يمكن إنقاذه من لوحات، إلا أن بعضها ظلّ سجين الرماد والتراب لتبقى شاهدةً على بطش هذا الاحتلال، أو "أرسم من أجل إنسانيتي وفلسطين" في حرب غزة العام 2021، بحيث كان يستلهم عناوين لوحاته من الحياة اليومية البائسة، والمشاهد القاسية لنازحين يكابدون من أجل البقاء على قيد الحياة، وتمثّل هذه اللوحات بالنسبة لباسل كنزاً ثميناً، فهي جزء من ذاكرته الفنية والإنسانية، وخسر غالبيتها في حرب الإبادة الأخيرة، جراء الغارات الإسرائيلية التي طالت منزله كما مقر "شبابيك".