تاريخ النشر: 03 آذار 2025

"لا أرض أخرى".. فيلم يفضح الاحتلال ويثير غضبه يظفر بالأوسكار!

كتب يوسف الشايب:

 

فاز فيلم "لا أرض أخرى" (No Other Land)، الذي يتناول تهجير سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقواته للسكان الأصلانيين من الفلسطينيين في "مسافر يطا" بمحافظة الخليل، بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي، أمس.
وتسلّم الجائزة في مسرح دولبي في هوليوود المخرج الفلسطيني باسل عدرا والصحافي الإسرائيلي المناهض للاحتلال يوفال أبراهام.
وقال عدرا: إنّ الفيلم "يعكس الواقع القاسي الذي نعاني منه منذ عقود وما زلنا نقاومه، وندعو العالم إلى اتخاذ إجراءات جدية لوقف الظلم ووقف التطهير العرقي للشعب الفلسطيني".
وأشار عدرا إلى أنه قبل شهرين تقريباً "أصبحت أباً، وأملي لابنتي ألا تعيش الحياة التي أعيشها الآن، حيث الخوف الدائم من المستوطنين والعنف وهدم المنازل والتهجير القسري الذي يعانيه مجتمعي يومياً تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي".
أما أبراهام الذي كان يقف بجانبه، فقال: صنعنا هذا الفيلم، فلسطينيون وإسرائيليون، لأن أصواتنا معاً أقوى.. نحن ما زلنا نرى بعضنا البعض، ونرى الدمار الوحشي الذي حل بغزة وشعبها والذي يجب أن ينتهي، كما شاهدنا الرهائن الإسرائيليين الذين اختُطفوا في السابع من أكتوبر ويجب إطلاق سراحهم.
وشدد الصحافي الإسرائيلي: عندما أنظر إلى باسل، أرى أخي، لكننا غير متساوين، فنحن نعيش في ظل نظام حاكم أنا فيه حر بموجب القانون المدني، بينما يخضع فيه باسل للقانون العسكري الذي يدمر حياته، بحيث لا قدرة له على إداراتها كما يريد أو السيطرة عليها"، مضيفاً: هناك طريق مختلف.. حل سياسي دون تفوق عرقي، مع ضمان الحقوق الوطنية لكلا شعبينا، ولا بد أن أقول أثناء وجودي هنا: إن السياسة الخارجية في هذا البلد، أي الولايات المتحدة الأميركية، تسهم في قطع هذا الطريق.
واختتم حديثه بالقول: حياتنا متداخلة.. شعبي يمكن أن يكون آمناً حقاً، إذا كان شعب باسل حرّاً وآمناً حقاً، ليس هناك سبيل آخر.. لم يفت الأوان بعد للحياة.

 

غضب رسمي إسرائيلي
وهاجم وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار، أمس، منح فيلم "لا أرض أخرى" جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، قائلاً في تغريدة على منصة "إكس" نقلها موقع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل": إن فوز فيلم "لا أرض أخرى" بجائزة أوسكار يعد لحظة حزينة لعالم السينما، فعوضاً عن عرض التعقيد في واقعنا، اختار مخرجا الفيلم ترديد الروايات التي تشوه صورة إسرائيل في العالم.
وأضاف زوهار: حرية التعبير قيمة مهمة، لكن تحويل تشويه إسرائيل إلى أداة للترويج الدولي لا يعد إبداعاً، بل آلة تخريب لدولة إسرائيل، ففوز هذا الفيلم بالأوسكار، بعد مذبحة 7 أكتوبر، والحرب الدائرة حالياً، يضاعف الأضرار.

 

غياب غادوت
وكان من المقرر أن تقدّم الممثلة الإسرائيلية غال غادوت جائزة "أوسكار أفضل فيلم وثائقي"، إلا أنه أُعيد تخصيصها لفئة أخرى، في خطوة جنّبتها لحظة فوز فيلم "لا أرض أخرى" بالجائزة، بحيث أنه، وقبل الاحتفال، تم إدراج اسم غادوت ضمن مقدّمي الجائزة، إلا أنها غابت عند إعلان الفائز، ليقدّم الجائزة عوضاً عنها كلٌّ من "صامويل إل. جاكسون" و"سيلينا غوميز"، ما أثار جدلاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن غيابها كان متعمداً.
وأشار ناشطون أميركيون داعمون لفلسطين إلى أن رفض غال غادوت تقديم جائزة أفضل فيلم وثائقي لفيلم "لا أرض أخرى" في الأوسكار، يُجسّد تماماً صورة إسرائيل، فهم يرفضون الاعتراف بحقيقة أفعالهم الإباديّة، وعندما يُواجهون بها، يفرّون كالجبناء.

 

تعاون رباعي
ويُعدّ الفيلم ثمرة تعاون بين أربعة صحافيين فلسطينيين وإسرائيليين هم: باسل عدرا، ويوفال أبراهام، وحمدان بلال، وراشيل شور، ويوثّق جهود عدرا في مقاومة عنف المستوطنين والتهجير من مسقط رأسه في "مسافر يطا" بالخليل، مضيئاً على الآلية الاستعمارية الإسرائيلية.
استغرق العمل على هذا الوثائقي خمس سنوات، ولم يكن فريق الإعداد يمتلك أي خبرة سابقة في صناعة الأفلام الوثائقية، إذ بدؤوا المشروع كصحافيين وناشطين.
واجه الفيلم صعوبات في العثور على موزّع في الولايات المتحدة، لذا قرر صُنّاعه عرضه مدة أسبوع في مركز "لينكولن"، في تشرين الثاني الماضي، لضمان التأهل للمنافسة على "الأوسكار"، ما دفع أبراهام إلى التصريح لموقع "ديدلاين" الإلكتروني، الشهر الماضي، أنه يرى أن الأمر "فيما يبدو يعود لأسباب سياسية".
وعُرض الفيلم لأول مرة، العام الماضي، في مهرجان برلين السينمائي، وفاز بـ"جائزة الجمهور لأفضل فيلم وثائقي في قسم البانوراما"، و"جائزة الفيلم الوثائقي"، كما حصد العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية.
يُذكر أن يوفال أبراهام صحافي إسرائيلي يقيم في القدس، ينتمي إلى تيار مناهض للاحتلال الإسرائيلي، جُند عند بلوغه التاسعة عشرة في سلاح الاستخبارات الإسرائيلي، لكنه لم يتولَّ أي مهمة، ورفض الخدمة العسكرية بعد أسبوع واحد على التدريب.
وبعد مغادرته، تطوع لعامين للعمل مع أطفال فلسطينيين وإسرائيليين في المدارس، وخلال تعلمه اللغة العربية ولقائه بفلسطينيين في الضفة الغربية، بمن فيهم عائلات كانت منازلها تُهدم على أيدي قوات الاحتلال في "مسافر يطا"، بات من أشد المنتقدين للاستعمار الإسرائيلي، ويعمل اليوم صحافياً ومراسلاً استقصائياً مستقلاً، معتبراً أنه يستخدم امتيازاته لكشف آليات القمع الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

وكان عدرا، أطلق قبل خمس سنوات، مبادرة لدعم صمود أهالي "مسافر يطا"، هو الذي كان تحويل منطقة سكناه وأسرته إلى موقع عسكري لتدريب جيش الاحتلال، نقطة تحول في حياته، وفي اتجاهه وأبراهام، الذي كان تلقى تهديدات بالقتل من إسرائيليين متطرفين، عقب كلمته في مهرجان برلين السينمائي التي انتقد فيها العنصرية الإسرائيلية وحرب الإبادة، إلى إنتاج الفيلم، الذي هو من إنتاجٍ فلسطيني نرويجي.

 

تجاهل لم يطل
وتم تجاهل الفيلم بل الهجوم عليه في إسرائيل، وهو ما بررته رايا موراج، أستاذة السينما والصدمات النفسية في الجامعة العربية، بأن "التوقيت حساس للغاية، وأن الجميع في حالة حداد أو صدمة، ومن الصعب سماع أي صوت آخر حول أي موضوع آخر"، مضيفة، هي التي تشارك في حركة السلام اليسارية: إنها تعتقد أن هذا الفيلم، الذي أعده تجمع فلسطيني إسرائيلي، سيجد مكاناً في النقاش الوطني في المستقبل، "لكن فقط بعد أن يعود المحتجزون، ويعاد بناء المنازل المدمرة، وتجرى انتخابات جديدة لاستبدال الحكومة اليمينية الحالية، وتخضع البلد لعملية حداد جماعي".

 

شيء عن الفيلم
ويظهر الفيلم عدرا وهو يقاوم التهجير القسري لعائلته وأبناء شعبه في "مسافر يطا" على أيدي قوات الجيش الإسرائيلي، كما يبرز بوضوح جنوداً إسرائيليين، وهم يهدمون المنازل ويطردون السكان لإنشاء منطقة تدريب عسكرية، إلى جانب اعتداء مستوطنين يهود على السكان الفلسطينيين.
ويسلط الفيلم الوثائقي الضوء على الواقعين المتوازيين اللذين يعيش فيهما الصديقان، فأبراهام لديه لوحة أرقام إسرائيلية صفراء تسمح له بالتنقل إلى أي مكان، بينما عدرا محاصر في منطقة تضيق بشكل مستمر بالنسبة للفلسطينيين.
في بداية الوثائقيّ، تنكشف إحدى أقدم ذكريات عدرا حول اعتقال جنود الاحتلال الإسرائيلي لوالده، الناشط الذي استخدم الكاميرا أداة لفضح جرائم الاحتلال في "المسافر"، ليواصل عدرا الابن هذا الإرث، عندما يبدأ مسلّحو الاحتلال وجرّافاته تدمير المنازل والمدارس والآبار ومولّدات الطاقة والمزارع، ما يُجبر العديد من سكان المنطقة على الهجرة، أو العيش في الكهوف القريبة، ومن بينهم عائلة هارون أبو عرام، الذي أصيب برصاص جنود إسرائيليين لاحتجاجه على الإخلاء، فبات الآن جريحاً على سريره، تعتني به والدته اليائسة بين صخور الكهف.
يتلقّى عدرا مساعدة مفاجئة من صحافي إسرائيلي يدعى يوفال أبراهام، يحاول من موقعه المستقلّ، الإخبار عن الجرائم التي تحدث في "مسافر يطا"، ليتحول إلى مناضل آخر بالكاميرا والكلمة تشاركها الصحافية الإسرائيلية الأميركية وراشيل شور والناشط الفلسطيني حمدان بلال العمل على إنتاج فيلم "لا أرض أخرى"، في محاولة تبدو مضيئة في ظل جرائم الإبادة المتواصلة لجيش الاحتلال ومستوطنيه ضد كل من وما هو فلسطيني.