
كتبت بديعة زيدان:
قدم الفنان الفلسطيني رأفت لافي، في مونودراما "خط التين" وهي من تأليفه، ومن إخراج ودراماتورجيا الفلسطيني تامر طافش، عملاً تمحور حول رحلة شاب نشأ في مخيمات اللجوء الفلسطينية، متنقلاً بين محطات الحب والفقد، والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وكان العمل المسرحي المنفرد، في عرضه الأول بمسرح البلد في العاصمة الأردنية عمّان، مساء أول من أمس، يتكئ على فكرة أثر المخيم في الذاكرة والهوية، عبر امتزاج المعاناة بالإصرار على الحياة، مقدماً صورة حيّة من تحديات وأحلام اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيشون اليوم لجوءاً آخر سواء في قطاع غزة جرّاء حرب الإبادة الإسرائيلية، أو في مخيمات الضفة الغربية، خاصة جنين، وطولكرم، ونور شمس، والفارعة.
وتعود بنا "خط التين" إلى ما قبل نكبة العام 1948، راصدة تحوّلات حيوات الشعب الفلسطيني جرّاء جرائم العصابات الصهيونية التي جرّدتهم منها، ومن حكايات "أيام البلاد"، مع استعادة طقوسٍ وأغنيات فلكلورية، سبقت مرحلة الإبادة العتيقة التي أسست للشتات واللجوء، وعصر "الخيمة"، و"طوابير وكالة الغوث"، وانتظار "شوية طحين وعلبة سردين"، وكأن بالتاريخ يعيد نفسه مع النكبة المستمرة، وإن بوتيرة أكثر شراسة.
وتحدث لافي عن تغلغل مفهوم المخيم كمكان مؤقت، في ربط بين الدرامي والسرد الحكائي السيري، مُعرفاً باسمه، وتاريخ مولده، وبكونه ممثلاً يعيش في مخيم العروب للاجئين، لأسرة هُجرت قسراً من قرية "الدوايمة"، بعد واحدة من أبشع مجازر العصابات الصهيونية.
وقدم لافي مشاهد تمثيلية مباشرة، ولكن في إطار تجريبي، حول المخيم بجدرانه الرمادية، متأرجحاً بين الأزمنة ذهاباً وإياباً، وإن بقي في ذات المكان على الخشبة، وبين ذات جدران المخيم التي تحاصر دواخله، كما أحلامه وأحلام الكثيرين، ليس فقط بالعودة، ولكن بحياة أفضل أيضاً، متكئاً على ذاكرة متوارثة عن جده الذي يرثيه صوت محمود درويش بأن "أنا من هناك".
ولم تغب غزة عن العرض، مسترجعاً حين كان في السادسة من عمره، اصطحاب والده للعائلة في رحلة التقى، عبرها، ببحرها لأول وآخر مرة.
ومن غزة كانت الرحلة الأصعب إلى "الدوايمة"، بمرافقة عمّه وعمته اللذين ولدا وعاشا لبعض الوقت هناك، حيث اللقاء المنتظر لأربعين عاماً، وحيث "خط التين" الذي رسمه لافي بناء على حكايات جده، فكان الطفل الذي يركض، لأول مرة، في أرض "الدوايمة" بحريّة ودون خوف، قبل أن يغادرها مصطحباً معه شجرة تين زرعها في المخيم، الذي كان يأتي صيّادو غزة ليبيعوا سمكهم فيه.
وينتقل بعدها لافي للحديث التجسيدي عن يوميات انتفاضة الحجارة، مستعيداً أجواءها، والروح التضامنية في مواجهة القتل، وأغنياتها الشهيرة، ودمية السيارة الحمراء الذي قضى عليها جنود جيش الاحتلال، وصراخ المُنتفضين بحجارتهم، غضباً وألماً وهتافات، ومشاركته وغيره من الأطفال في جمع الحجارة لقاذفيها، مستذكراً كيف كانت والدته وجاراتها تخيط أعلام فلسطين سرّاً، كما استذكر المرة الأولى التي يرصد بناظريه فيها استشهاد هدّاف فريقهم برصاصة في القلب.
ولم يغفل لافي التطرق إلى تجربته في ما بعد "أوسلو"، والتحولات التي أصابته كما القضية الفلسطينية، قبل الحديث عن يوميّاته في انتفاضة الأقصى، وعن العمل التنظيمي في المخيمات، و"الكتابة على الحيطان"، و"حب المخيم"، و"لقاءات السرقة"، لكنه الرصاص، حيث لم يعد يحط الحمام، وصولاً إلى المرحلة الحالية التي تعيشها المخيمات من تدمير ونزوح، ولجوء تلو الآخر.
وأشار لافي في حديث لـ"الأيام" إلى أن "خط التين"، عمل ينتظر منذ أعوام، وأنجز أخيراً بجهود ذاتية، ليشكل عودته إلى المسرح بعد غياب ثمانية أعوام، وهو عمل يتكئ على مجموعة نصوص ومذكرات شخصية من حكايات المخيم، عبر قصة خط مرتبط برحلته مع عائلته إلى "الدوايمة" التي هُجروا منها.
وشدد لافي على أهمية أن يسرد كل فلسطيني حكايته الشخصية، لتبقى "البلاد" حاضرة، خاصة في ظل الإبادة والحديث عن التهجير، معرباً عن أمله في تقديم العرض بفلسطين، وخاصة في مخيم العروب، في أقرب وقت ممكن.