تاريخ النشر: 17 شباط 2025

"حين لم يبقَ سواكِ".. فنانات فلسطينيات يقاومن المحو بأعمال فنية مبتكرة

كتبت بديعة زيدان:

 

تقدّم الفنانات الفلسطينيات: أريج قاعود، وهديل القطب، وجويس جمعة، ومرح غنايم، وشيرين قطينة، وشيراز خطاب، أعمالاً بصرية وفنية وتركيبية ضمن المعرض الجماعي "حين لم يبق سواكِ"، وافتتح، مؤخراً، في دارة الفنون (مؤسسة خالد شومان الثقافية)، بالعاصمة الأردنية عمّان.
وأشار قيّم المعرض رائد إبراهيم، إلى أن مجموعة الأعمال المشاركة للفنانات الفلسطينيات، تبحث في رمزيات المواد والحرف ومعانيها وأدوارها في السردية الفلسطينية، والروابط الكامنة بينها، كما تستكشف، عبر ممارسات بحثية وأخرى تجريبية مدى مرونتها أو مناعتها في الاستجابة للمتغيّرات التي طرأت على الواقع الفلسطيني، اليوم، كون الفن عامة، وهذه الأعمال خاصة، يمكن أن تندرج في إطار الفعل المواجه لوتيرة العنف المتصاعدة وغير المسبوقة التي يمارسها المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي.
واستخدمت الفنانة أريج قاعود، في عملها "كأنهم ما ماتوا"، الصابون النابلسي كخلفية لعملها الفني الذي اشتمل على تخليد ذكرى سبعة عشر من رموز فلسطين الأدبية والنضالية، بحيث يسلط الصابون النابلسي، الذي أدرج نهاية العام الماضي، على قائمة "اليونسكو" التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، الضوء على محاولات إبادة السردية الفلسطينية كما الفلسطيني الإنسان، فمادة الصابون بذوبانها البطيء تشكل انعكاساً للتطهير والإخفاء التدريجي للفلسطيني جسداً وتاريخاً وجغرافيا، لافتة إلى أنها اختارت شخصيات تركت أثراً في حياتها كفلسطينية وكفنانة، وإلى أن عنوان عملها الفني مستوحى من عبارة لطالما رددتها والدتها تعبيراً عن أهمية مواصلة النضال من أجل الحرية.
ومن بين هذه الشخصيات: محمود درويش، وناجي العلي، وإدوارد سعيد، وغسان كنفاني، ورفعت العرعير، ودلال المغربي، ورائد الكرمي، ومحمد الدرة، وخضر عدنان، وثابت ثابت، وإبراهيم النابلسي، وشادية أبو غزالة، ونزار بنات، وغيرهم.
ويقوم عمل "أنا الأرض" لشيراز خطاب على محورية المسكن الفلسطيني وارتباطه بالأرض التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي سلبها منذ العام 1948 وما قبله، وهو مشروع يمزج الفني بالبحثي، ويسلط الضوء على ارتباط المفاهيم والتقاليد الشعبية بالمسكن، وعلى التكوين المعماري الفلسطيني الآخذ بالتلاشي مع مرور العقود والنكبات والإبادة تلو الأخرى لحساب تكوين معماري استعماري شكله الاحتلال، وهو عمل مستوحى من ثلاث شخصيات متخيلة تتكئ على أحداث مفصلية: نكبة العام 1948، واحتلال العام 1967، وانتفاضة الحجارة العام 1987، متخذة من المربعات شكلاً أساسياً، بحيث يعكس كل منها جانباً خاصاً من ذاكرة الفلسطيني.
أما "جذور المقاومة" لشيرين قطينة، فيقوم على فكرة التوثيق للنباتات الفلسطينية المهددة بالانقراض أو التي تحول سياسات الاحتلال دون الاستفادة منها عمداً حد القتل أحياناً كالعكوب والزعتر البري، والميرمية، وغيرها، عبر تطريزات عملاقة، بحيث تحمل كل غرزة قصة اتصال وصمود في آن، وتوثق للعلاقة الدائمة بين الفلسطيني وأرضه، في رسومات مطرزة من ابتكارها.
ويقوم عمل "بلا عنوان" لجويس جمعة على شجرة الزيتون بتنويعات فنية خضراء، تتراوح بين أعمال مؤطرة تحاكي اللوحات، وأخرى تحاكي التماثيل في تكوينها، لإيصال رسالة حول دور العمل التعاوني في الحفاظ على تماسك المجتمع الفلسطيني، والأهمية السياسية والرمزية لهذه الممارسات التي سادت على الأرض، والأهمية السياسية والرمزية لهذه الممارسات التي سادت على الأرض، في عدّة محطات مفصلية في التاريخ الفلسطيني الحديث.
أما "نافذة" مرح غنايم، التي حطت في مشهد أقرب إلى "فن الفيديو" على واحد من جدران "الدارة"، فتطرح عبر عملها الذي يبدو بسيطاً على عمقه، تساؤلات حول طمس هوية المكان الفلسطيني، من خلال ما وصفته بـ"الدخيل"، الذي يتجاوز دوره الحيّز المكاني والمعماري لجهة التغلغل ذي الأبعاد النفسية بل والوجودية أيضاً.
وعبر عملها "ينبوع الحياة" سعت هديل القطب إلى طرح جدليات عدّة، بدءاً من الثقل والرقة، والاستمرارية والانكسار، والشرخ والتماسك، عبر غرز حمراء في وعاء تسعى جاهدة لمقاومة الزوال، في إشارة إلى الشعب الفلسطيني، فالكسر، ليس بالضرورة، دماراً، بل قد يكون فعل انفتاح وتحوّل، خاصة لأولئك المحافظين على البقاء رغم التفتت، بحيث يبدو العمل برمّته إيماءة للصلابة، وللإصرار على رفض الانكسار الكامل، عبر الحجر، والخط، والاحمرار المتدفق بإيقاع الحياة النابع من رمزية الفناء.
ولفت قيّم المعرض رائد إبراهيم إلى أنه جاء في وقت حسّاس للغاية، حيث من الصعب على أي فنان تقديم أعمال مبتكرة، بينما الحدث لا يزال قائماً، ومع ذلك تمكنت الفنانات المشاركات، واللواتي اخترن من بين عديد المرشحين، من تقديم أعمال تميّزت بالشفافية والصدق كما الابتكار، في حين أن ما يجمع أعمال "حين لم يبق سواكِ"، أنها تقوم على فكرة مقاومة المحو.