تاريخ النشر: 02 شباط 2025

"غزة الشعب الصامد".. قعبور يشارك جوقة "إدوارد سعيد" استعادة أغنيات ثورية

 

كتبت بديعة زيدان:

 

قبل مغادرة قاعة مسرح أكاديمية عمّان، في العاصمة الأردنية، صدحت حناجر المكتظين فيها بنشيد "موطني"، ليشاركهم، دون ترتيب، أعضاء فرقة وجوقة معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، والفنان اللبناني فلسطيني الهوى، القدير أحمد قعبور، الغناء، مسدلين الستار على الفعالية الموسيقية "غزة الشعب الصامد"، مساء أول من أمس.
العرض الموسيقي، الذي نظمه مسرح البلد في عمّان ومعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، انطلق بأغنية "يا ثوّار الأرض"، واشتهرت بصوت المطربة اللبنانية جوليا بطرس، وهي من كلمات الشاعر علي فودة، الذي أصيب في منتصف آب من العام 1982 بجروح بليغة إثر سقوط قذيفة عليه وهو في طريقه لتوزيع صحيفته "الرصيف" على الفدائيين في بيروت، حيث قُدِّر للشاعر أن يقرأ نعيه في الصحف قبل استشهاده، الذي وقع بالفعل بعدها بيومين.
وكان الجمهور الذي غصّت به القاعة، وتفاعل مع الأغنيات تصفيقاً، وغناءً صاخباً، ودموعاً أيضاً، على موعد مع أغنية "نزلنا ع الشوارع" الشهيرة للفنان وليد عبد السلام، وشكلت ولا تزال علامة فارقة، خاصة في انتفاضة الحجارة التي اندلعت في العام 1987.
وقدمت العرض فرقة وجوقة معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى بقيادة الفنان تامر الساحوري، الذي وصف الأغنيات بالموسيقية الوطنية، واشتملت على مختارات فلسطينية وعربية، لافتاً إلى أن ريع العروض، التي باتت ثلاثة بناء على طلب الجمهور، مخصص لدعم برامج وعروض المعهد في غزة، علاوة على إعادة إعمار مقر المعهد المدمّر هناك، مهدياً العرض للعائلات الصامدة، وللأسرى في سجون الاحتلال، والجرحى، وإلى أكثر من "50 ألف ملاك يحرسون سماء غزة"، في إشارة إلى شهداء حرب الإبادة.
وقدّمت الفرقة بعدها رائعة الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنا "أحكي للعالم"، تلتها فقرة "ذاكرة من فلسطين"، وهي أغنيات منوعة من المؤلفات الموسيقية للراحلَيْن حسين نازك، وقدمت العديد منها فرقة "العاشقين"، والفنان "أبو عرب"، ومن بينها: "والله لأزرعك بالدار" من كلمات الشاعر الراحل أحمد دحبور، و"ع الروزنا"، و"يمّا"، و"فلسطينيين بدنا نحمي هالبلاد".
واستقبل بعدها، بحفاوة كبيرة، الفنان أحمد قعبور، الذي استذكر حكاية والدته، التي بسبب ضيق العيش في بيروت، كانت تصطحبه إلى حيث "أبو إبراهيم"، بائع الخضار في عمق المخيم المجاور، ونقل إليه اللهجة الفلسطينية مع الوقت، مدشناً فقرته الخاصة كضيف على العرض بأغنية "يا رايح صوب بلادي"، التي كتبها في العام 1983 في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت، موجهاً التحية والدموع تتسلل إلى حنجرته فتكاد تخنق صوته، كما إلى مقلتَيه اللتين مسحهما بالكوفية الفلسطينية، إلى كل لبنان، وكل فلسطين التاريخية مستعرضاً مدنها، لا سيما غزة، وإلى عديد العواصم العربية، مستبدلاً "والله ممنوعة الأحلام" إلى "والله مسموحة الأحلام".
ومن ثم قدّم قعبور، وسط تفاعل كبير للغاية، رائعته "يا نبض الضفة" أو كما اشتهرت باسم "لينا كانت طفلة تصنع غدها"، صادحاً برفقة الجمهور "يا نبض الضفة لا تهدأ أعلنها ثورة"، و"فليمسي وطني حرّاً فليرحل محتلي".
والأغنية تروي من بين ما تروي حكاية الفتاة الفلسطينية لينا النابلسي المولودة في العام 1959 بمدينة نابلس، وفيها استشهدت العام 1976.
وأشار قعبور إلى أن الأغنية كتبت ولحنت في العام 1976، مستذكراً: خلال مسيري فيما كان يعرف بـ"شارع الأحباب" في بيروت، لفتت انتباهي صورة على صحيفة في كشك بيع الجرائد هناك، لفتاة فلسطينية، وحينها قرأت نبأ استشهاد لينا النابلسي، وحكايتها، فقلت في نفسي: لا يمكن أن تبقي هذه الحكاية مجرد خبر في جريدة، فكانت هذه الأغنية لتعيش الحكاية، وتبقى ذكرى لينا كما كل الشهداء في فلسطين، باقية".
وقدمّت الفرقة والجوقة بعدها عديد الأغنيات الفلسطينية والعربية، بدءاً بأغنية "ضد" للفنان الفلسطيني جورج قرمز من كلمات الشاعر الراحل راشد حسين، ورائعة الشيخ إمام "يا فلسطينية" التي كتب كلماتها الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، و"هات السكة" للفنان المقدسي مصطفى الكرد الراحل في العام الماضي، و"عنيد أنا" للفنان بشار شموط.
وكان التفاعل كبيراً مع رائعة النجم محمد عساف "علّي الكوفية"، من كلمات وألحان الفنان جمال النجار، وهو ما كان مع رائعة سهيل خوري "سلام لغزة"، التي كتب كلماتها فؤاد سروجي، وانتشرت كالنار في الهشيم في كافة أنحاء العالم، منذ عشر سنوات ويزيد، خاصة خلال حرب الإبادة الأخيرة.
وفي الختام، ما قبل "موطني" التلقائية، عاد قعبور برائعته "أناديكم"، التي غنّاها الجمهور برفقته وقوفاً، إجلالاً وإكباراً للصامدين على أرض فلسطين، قبل أن يطلق صرخة تنضوي على عتاب المحب، بالقول: "لا أحب الحديث في السياسة، لكن في ظل الإبادة في غزة وخنق الضفة، من المعيب ألا يكون هنالك الحد الأدنى من الوحدة الوطنية الفلسطينية".