تاريخ النشر: 20 كانون الثاني 2025

"حاضرون غائبون".. أعمال لروّاد فلسطينيين وعرب تؤصّل سردية لا تنمحي

كتبت بديعة زيدان:

ما إن يدخل الزائر قاعة جاليري "رؤى 32" للفنون، في العاصمة الأردنية عمّان، للاطلاع على الأعمال المشاركة في المعرض الاستعادي "حاضرون غائبون"، حتى يقع ناظراه على لوحة للفنان الفلسطيني الراحل عبد الحي مسلم (1933 – 2020)، لسيدة ترتدي الثوب الفلسطيني التقليدي وتحتضن عائلتها في رمزية للوطن، وللصمود، والتمسك بالعودة، تليها لوحة للفنان الفلسطيني أحمد نعواش (1934- 2017) لسيدة تبدو مُعاصرة وتحمل العلم الفلسطيني، ومن ثم، وليس توالياً، هناك أربع لوحات للفنان الفلسطيني الراحل مصطفى الحلاج (1938- 2002)، وثلاثتهم يشكلون أيقونات في تاريخ الفن الفلسطيني البصري المعاصر.
ويأتي المعرض، الذي يتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، لمناسبة مرور خمسة وثلاثيين عاماً على تأسيس الجاليري بإدارة الفنانة سعاد عيساوي، وبمشاركة ثمانية وثلاثين فناناً من فلسطين، والأردن، ومصر، والسودان، والعراق، وسورية.
وتحضر فلسطين، علاوة على اللوحات والأعمال الفنية للفنانين الثلاثة، التي تؤصل لسردية لا تنمحي، تنتصر للأرض ومن وما عليها، عبر سير فنانين من دول أخرى، تمحورت أعمالهم، وإن في مرحلة زمنية بعينها، حول القضية الفلسطينية، كالفنان المصري القدير، الراحل في العام الماضي، حلمي التوني المولود في العام 1938، والفنان السوري نذير نبعة (1938 – 2016)، والفنان الأردني من أصول فلسطينية عدنان يحيى، ورحل في العام 2020، والفنان الأردني من أصول فلسطينية عبد الرؤوف شمعون المولود في العام 1945، ورحل في العام الماضي.
ولفتت الفنانة سعاد عيساوي، في حديث مع "الأيام"، إلى أهمية الأعمال الفنيّة الفلسطينية في المعرض، والتي تنبع من مواضيعها، ومن طرق تنفيذها، ومن قيمة صانعيها من الفنانين، فالفنان عبد الحي مسلّم، ليس فقط من أهم الفنانين الفلسطينيين الذي وثقوا للقضية الفلسطينية، بل من أهم الفنانين العرب، على مستوى إنجاز اللوحات التي تعرف باسم "الفن الأولّي"، وعلى مستوى النحت أيضاً، وله تاريخ نضالي في صفوف حركة "فتح"، وعاش لفترة طويلة في ليبيا، كما أن الفنان أحمد نعواش هو أيضاً من أهم الفنانين الفلسطينيين الروّاد، وكان درس الفن في فرنسا، وأصوله تعود إلى طولكرم، وما يميّز عمله، ليس فقط الرموز الفلسطينية التي يستخدمها، وباتت تشكل هوية بصرية لأعماله، كالعلم الفلسطيني واليد المرفوعة، على سبيل المثال، بل لكونه يُنتج أعمالاً يمكن وصفها بـ"السهل الممتنع"، بينما يُعتبر مصطفى الحلاج من العلامات الفارقة في تاريخ الفن الفلسطيني، وكان من أوائل من درسوا الفن في جامعة القاهرة من الفلسطينيين، هو اللاجئ في أحد مخيمات سورية، التي رحل فيها إثر حريق مأساوي أودى بحياته والعديد من أعماله داخل مرسمه، وشكّل بمفرده مدرسة فنيّة، لكون الكثير من الفنانين في فلسطين وسورية خاصة تأثروا بأعماله التي حضر في الكثير منها "الحمار" كرمز للصبر والتحمل.
أما الفنان الأردني عدنان يحيى، المولود في إربد العام 1960 لأسرة مهجّرة من العباسية قضاء يافا، فكانت القضية الفلسطينية محور أعماله الفنيّة، هو الذي قدم أعمالاً بتقنيات متعددة، من الرسم والسيراميك والطين، وغيرها من المواد، فمثّل الحضور الإنساني مساحة كبيرة من أعماله، وبما يتقاطع مع مفاهيم المكان، والأرض، والهوية، وكان ناقلاً ومُوثقاً فنيّاً بصريّاً لمعاناة الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال، واشتهرت الكثير منها، خاصة أعماله حول مجزرة صبرا وشاتيلا.
وحضر الفنان عبد الرؤوف شمعون، وهو من مواليد قرية "تل الرمس" المهجرة، قضاء غزة، في المعرض، هو الذي كرّس مشاريعه الفنية لاستكشاف تجاربه الشخصية كلاجئ فلسطيني، ومن هنا كانت بداياته في توثيق المخيم، متكئاً على الأسلوب الواقعي في الرسم، لنقل حياته وحيوات المخيم، قبل الاتجاه نحو التعبيرية والانطباعية والتجريدية، دون غياب النكبة عن أعماله، عبر ثيمة "المخيّم".
وحضرت أيضاً أعمال للفنان السوري نذير نبعة، الذي انتمى إلى حركة "فتح" في ذروة صعود الكفاح المسلح الفلسطيني، بل كان هو من صمم شعارها، بالإضافة إلى العديد من ملصقاتها في أواخر ستينيات القرن الماضي.
وفي معرض "حاضرون غائبون"، حضر أيضاً الفنان المصري حلمي التوني، وكان للقضية الفلسطينية حضورها الخاص في مشواره الفني، فعلى مدار سنوات عمره الطويل، انخرط بالرسم لفلسطين، إذ ساهم في إنجاز ملصقات صادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية، كما واكب حتى يوم رحيله حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويتميّز المعرض بأن جميع الفنانين العرب المشاركين فيه، هم من مؤسسي الحركة الفنية البصرية والتشكيلية في بلدانهم، وأخذ اسمه، وفق ما أكدت الفنانة سعاد عيساوي لـ"الأيام"، لكون أن هؤلاء الفنانين الأيقونيّين، ورغم غيابهم الجسدي، فإنهم حاضرون بأعمالهم، مشيرة إلى أن جميعهم كانوا قد شاركوا في معارض احتضنها جاليري "رؤى 32"، في تسعينيات القرن الماضي.