
كتب بديعة زيدان:
بالتزامن مع الذكرى السابعة والثلاثين لانتفاضة الحجارة، أُزيح الستار، عصر أمس، في المتحف الفلسطيني ببلدة بيرزيت، عن جدريّات الفنانين الأربعة الذين أسّسوا جماعة "نحو التجريب والإبداع"، وشكّلت تحدياً فنيّاً وفكرياً ومبدئياً للاحتلال، بعد عامين على اندلاع ما عُرف بـ"الانتفاضة الأولى"، وهم: تيسير بركات، وسليمان منصور، وفيرا تماري، ونبيل عناني.
وأشار الفنان تيسير بركات في حديثه لـ"الأيام"، إلى أن الفكرة التي بدأ العمل عليها منذ عام، "جاءت في إطار إعادة التذكير بتجربة الجماعة المتمثّلة بالمبادرة قبل خمسة وثلاثين عاماً للاستغناء عن المواد التي كنّا عادة ما ننتج من خلالها أعمالنا الفنيّة، وكانت كلّها منتجات إسرائيلية، والاتجاه نحو خامات محلية، وجلّها طبيعية، ومن البيئة الفلسطينية، وشكلت بالنسبة لكل واحد انطلاقة جديدة مليئة بالطاقة".
ولفت بركات إلى أن جداريته "البحث عن الأرجوان في شواطئ المتوسط"، من جهة تأتي لاستعادة عمله في الحرق على الخشب، وكان بدأ مع الجماعة، ومن روح الانتفاضة، فكان بمثابة إعادة إحياء لها، وللتعبير عما نعيشه كشعب فلسطيني من نكبة مستمرة، ومن حرب إبادة غير مسبوقة، ليس في التاريخ الفلسطيني الحديث فحسب، بل ربما في التاريخ العالمي الحديث، كما أنها جدارية منحازة للإنسان الفلسطيني، الذي هو لبنة شعبٍ مُنتج ومعطاء، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، وهو ما تعكسه الجداريّات الأربع التي أنتجت خلال الحرب ورغماً عنها.
أما الفنان سليمان منصور، فأشار إلى جداريته "على جناج ملاك"، كما غيره من الفنانين عكست التحوّل الفني، على مستوى المواد المستخدمة، وبعض الشيء على مستوى المضامين، بتأثير من انتفاضة العام 1987، لافتاً في حديثه لـ"الأيام" إلى مادة الطين، وهي التي صنع منها جداريته التي وصفها بأنها "العمل الأضخم له على الإطلاق".
وشدد منصور إلى أن جداريته انحازت إلى القدس، فكان محورها القدس العتيقة بالبناء على خريطتها القديمة، لافتاً إلى أن إنجازها استغرقه ما يزيد على الستة أشهر، مؤكداً أن أهمية الجداريّات الأربع هذه في تأكيدها على استمرارية الفن الفلسطيني، وبالتالي استمرارية حياة أصحاب الأرض الأصليين على أرضهم، فهي علاوة على مضامينها، توصل رسالة إلى العالم مفادها بأن "الشعب الفلسطيني لا يزال على أرضه، وسيبقى".
بدورها استعادت الفنانة فيرا تماري عملها التركيبي الشهير "حكاية شجرة"، وجاب معارض عالمية كبيرة، وكان قائماً على نحت لشجرة الزيتون في العام 2002، حيث كان استهداف الاحتلال ومستوطنيه مكثفاً لشجرة الزيتون خلال الاجتياح الكبير لمدن وبلدات وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وهو ما كان في هذه الجدارية، التي أطلقت عليها اسم "حارسات الأرض"، وتمتد على مساحة ثمانية وعشرين متراً، فأنتجت هي بمساعدة خريجتي الفنون راما الأشقر ومرح بركات، خمسة آلاف منحوتة لزيتونات فلسطين، وعلى مدار قرابة تسعة أشهر.
واستخدمت تماري 3500 شجرة مصنوعة بالصلصال، في الجدارية التي تجد فيها من جهة فعل تحدٍ، ومن جهة صرخة لتذكير للعالم بأن الزيتون الفلسطيني الذي هو رمز الهوية والأرض، كما هو رمز ثقافي وتاريخي لنا، لا يزال يتعرض للإبادة، كما البشر، والأهم أننا كفلسطينيين لا نسقط، ونستشهد واقفين، بشراً وشجراً.
الفنان نبيل عناني، أكد على ما ذهب اليه زملاؤه بخصوص إعادة إحياء جمعية "نحو التجريب والإبداع"، وفي ذكرى الانتفاضة، بشكل أو بآخر، مؤكداً لـ"الأيام" أن لحرب الإبادة المتواصلة على غزة تأثيراتها عليه كما كل الفلسطينيين، والكثير من أنصار الحق حول العالم، وعلى مضامين جداريته.
وأكد عناني، أنه عاد مجدداً إلى الجلد وغيره من المواد التي كان يستخدمها فترة انتفاضة الحجارة، عند العمل على إنجاز جداريته "مسيرة الأشجار"، لافتاً إلى الفكرة الريادية التي بادر إليها المتحف الفلسطيني، وجعلته يشعر بنشوة استعادة التجربة، وفجرت مكنونات اشتياقه للعمل بالجلد من جديد، وهو ما كان، لافتاً إلى حالة الانسجام الكبيرة ما بينه وبين الجدارية، وما بينه وبين الفنان يزن أبو سلامة، الذي ساعده في إنجازها.
وكان المتحف الفلسطيني أشار في بيان، تلقت "الأيام"، نسخة منه، إلى أنه في ذكرى الانتفاضة الأولى المجيدة تم رفع الستار عن جداريّات الفنّانين الأربعة الذين أسّسوا جماعة "نحو التجريب والإبداع" في العام 1989، وتحديداً في سياقٍ كان كل ما فيه ينادي بالحرية ويسير نحوها، في ذلك الوقت العصيب الملحمي، الذي صعد شعبٌ فيه بأكمله فوق جرحه الغائر، وردد بصوتٍ واحدٍ مقولته الشهيرة: "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، لافتاً إلى أن الجداريات الأربع، أنتجت في زمن حربٍ لا تشبه غيرها من الحروب، ووُلدت لتكون نواة المعرض الدائم للمتحف الفلسطيني، لتبقى على جدرانه ما بقي.