
كتبت بديعة زيدان:
بقصيدة "خذيني من يدي يا سارة"، افتتح الشاعر غسّان زقطان أمسية شعرية، مساء أول من أمس، ضمن فعاليات ملتقى "استعادة الشعر"، واحتضنتها قاعة مؤسسة عبد الحميد شومان، في العاصمة الأردنية عمّان، بالشراكة مع مؤسسة عويس سلطان بن علي العويس الثقافية.
ولفت زقطان إلى أن ما يقدمه من نصوص عبارة عن مختارات انتقاها بنفسه من عدّة مجموعات شعرية له صدرت في أوقات زمنية مختلفة.
وكانت قصيدته الثانية "أربع أخوات من زكريا"، مشيراً إلى أن "زكريا" هي قرية والدته المُهجرّة في العام 1948، أتبعها بقصيدته "في جبل النجمة"، شارحاً أن "جبل النجمة" منطقة بين مدينة رام الله وبلدة بيرزيت المُجاورة لها، وفيه دير، ويطل على أخدود يصل إلى البحر المتوسط، ويقع في منطقة تشبه "مثلث برمودا"، وفي النص يسمع "صوتاً مألوفاً وقديماً، صوت أبي يُلقي بالنرد إلى جهتي، أو ابن الريب وهو يجرّ حصاناً أشقر في المرثية"، و"صوت حسين البرغوثي النائم تحت اللوز كما أوصى في المتن، وصوتي: لستَ وحيداً في البريّة".
وفي قصيدته "بحكم العادة" يذهب بنا زقطان إلى يوميّاتنا في فلسطين المتخمة بالاحتلال، حيث "الجندي الذي نسيته الدورية في الحديقة.. الدورية التي نسيها حرس الحدود على الحاجز.. الحاجز الذي نسيه الاحتلال على العتبة.. الاحتلال الذي نسيه السياسي في حياتنا.. السياسي الذي كان جندياً في الاحتلال.. الميركافا التي نسيها الجيش في المدرسة.. الجيش الذي نسيته الحرب في المدينة.. الحرب التي نسيها الضابط في الغرفة.. الضابط الذي نسيه السلام في نومنا.. السلام الذي كان يقود الميركافا.. ما زالوا يطلقون النار على رؤوسنا دون أوامر، هكذا بحكم العادة".
وختم زقطان افتتاحية الأمسية بقصيدته "أغنية النهر"، حيث الترانيم، والضباب، وأشباح الحقول، والجنود المشاة، والقتلى الكثيرون، خاتماً بترانيمهم "يا نهر يا نهر خذ أهلنا للشمال، أعنهم على الجوع والبرد والريح.. خذ صور الميّتين، وخذ خبزهم قد يجوع المهاجر.. خذ معهم صمتهم في العشيّات لمّا تنام الطيور وتسعى المفاتيح.. يا نهر يا نهر كن دافئاً حين يعبر أطفالهم، ليّناً كالحرير، ومتئداً كالوصايا، كريماً كما يفعل الجسر".
وحضرت فلسطين التي نظمت قصائد الشعراء ونظموا قصائدهم، أو بعضها على بحرها وتفاعيلها التي لا تتكرر، بحيث كانت القصيدة الأولى للشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم، بعنوان "إلى حبيبي غزة"، جاء فيها: "على عاتقي حِمل الصعاليك كلّه ويلحقني عزمي وما كنتُ مذنبا.. أسابق موتي نحو ما لا يسوؤني وقد ساءني مكثي بوادٍ تيبّبا.. كأني ونصف الكون نصف تعارفت كواكبه حتى تجمعن كوكبا.. فصرتُ أغني جرح قلبي ولم أزل بوادٍ به جرح البلاد تشعّبا.. لغزة قلبي في الهوى ما تقلبنا ومن دمها يختط للعز مسربا.. دعاني محيّاها للثم جبينها فعفّرت وجهي في ثراها تدأبا.. توالى عليها النار من كل وجهة فما زادها الإحراق إلا تذهّبا".
والأمر ذاته كان مع الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم، التي دشّنت مشاركتها بقصيدة لقطاع غزة، جاء في مطلعها: "أتريد ظلاً لي ولك، والطائرات تمدّنا بالموت لا بالقمح فوق الركام وليلنا ما أجملك.. لم يبق في العمر الكثير لكي نغني دون أن تلج القذيفة خيمتنا هنا في المكان، وأنت تعرف وقتك المسفوك وتعرف منزلك.. لم تبقّ إلا الذكريات وبعض ضحتك المؤجلة الهباء، لا شيء في هذا الركام سوى الدماء وأنت أنت تعيد سيرتنا إلى الأعلى، فرح حرّاً لنمضي دافئين وحالمين وغانمين، ولا تدع نقصاً يمرّ إليك في سهو ليزعم أكملك.. سبعين مجزرة عرفت، ولم تكن رقماً ضبابيّاً على هذه الطريق بأسرها، لم تقترف صفة المزاجيّين، كنت المستعد الشامخ في هذه الحياة، ولم تراع الفرق بين رصاصة وصحيفة مدفوعة الأقلام كي يضعوك في نص الهروب إذا استبد الزحف، كنت الأجمل الأنقى كمطلع آية إذ أنزلك".
وشارك في الأمسية أيضاً الشاعر الفلسطيني المقيم في الإمارات سعد الدين شاهين، وقدم في ختام الأمسية قصيدة بعنوان "أعيدوا لي الجمجمة" من وحي الإفراج عن جثمان شهيد فلسطيني بهيكل من عظام وجمجمة، فنظم القصيدة التي أسقطها على جماجم شهداء الجزائر في متاحف فرنسا، وهي الأمسية التي شارك فيها أيضاً الشاعر السوري حسين درويش، وكانت قدمتها الشاعرة الأردنية وفاء جعبور بالقول: "إنه الشعر جنّي بثوب الغواية، يطرق رأس الفكرة فتفزّ القصائد من دمه، ويرشح الخيال في مفاصل الكلام".