تاريخ النشر: 04 آب 2015

الحرية اسم وعنوان لمسرح يسعى من أجل الحرية

كونها كانت على الحافة الأخرى من العالم، ونأت بنفسها نحو الحافة الأخرى لتنتقل من صفوف الجلاد إلى شخصية الضحية، كانت آرنا مير خميس تعرف جيداً أن ما يجعل الفلسطيني قادراً على الحياة أكثر من رغبة في الموت من خلال دفاعه عن حياته هو المخيم، الذي هو قلعته الأخيرة التي تجعل منه أمام هذا العالم صاحب قضية، وإنساناً قادراً على الصمود أمام كل شيء يسأله عن الموت، مقابل أن يكون إنساناً يواجه الموت بشكل يومي دفاعاً عن الحياة التي هي الحرية في العمق.
كانت آرنا المحرك الأساسي للعمل المسرحي داخل مخيم جنين، إلى أن اندلعت فوهة الجهل نحو المخيم في اجتياحات 2002، حيث تم تدمير مسرح الحجر، الذي تحول إلى حجارة بعد الاجتياح وحصار المخيم، وكانت تهدف من خلال تأسيسه إلى أن يكون المسرح والتعليم هما الحجر الذي يحرك المياه الراكدة، ويعزز الأحجار الأخرى التي تفتكُ برأس جندي على حاجز.
ولم يهدأ الحلم لديها ولم ينقطع، بل استمر في العبور إلى رأس ابنها جوليانو مير خميس، الذي أسس مسرح الحرية في المخيم في العام 2006، مستمداً الطاقة والإيمان من والدته آرنا، وقام بوضع مسرح الحرية بشكل صارخ على ساحة المسرح الفلسطيني من جانب، والعالمي من جانب آخر، بأسلوب فني يجعل من أبناء المخيم المحرك الأساسي لإعادة تكوين قصصهم وحكاياتهم بالشكل والأسلوب الذي يرونه مناسباً، ويليق بما شهدوه خلال حياتهم، واستمر مسرح الحرية في تكوين ذاته كجزء من مخيم جنين، محاولاً أن يزيل المسرح بعض الغيم الأسود في سماء المخيم بسبب العزلة التي وضعها الاحتلال من جانب، وما مر به المخيم من صراعات من جانب آخر، إلا أن جوليانو لم يكمل حلمه، حيث تعرض لإطلاق نار في المخيم وتم اغتياله في العام 2011.
وبمزيج سويدي فلسطيني من الناحية الإدارية، استمر مسرح الحرية بعد ذلك في تكوين ذاته كمسرح فلسطيني يتسع للاختلافات بين الناس كافة، موجهاً جهوده إلى شباب مخيم جنين وصباياه، من خلال العديد من الأنشطة المسرحية التي من شأنها أن تصنع حالة وعي وإدراك ثقافي لديهم، وخلق حياة ثقافية داخل المخيم، من خلال تقديم العروض الفنية أو الأنشطة التي ينخرط فيها الأهالي وأهل المخيم، مستمداً من اسمه هدفه، وجاعلاً من هدفه اسماً له؛ الحرية.
يتفرع عمل مسرح الحرية إلى ثلاثة أقسام أساسية هي: المسرح، الوسائط المتعددة، باص الحرية، وفي كل قسم هناك العديد من البرامج التي يتم تنفيذها لتطبيق رؤية المسرح على أرض الواقع، يعمل على تنفيذها طاقم فني وإداري واسع ومتعدد الخبرات والجنسيات، ليتم العمل في المخيم وخارجه بشكل مستمر ومتواصل بين قيادة سويدية فلسطينية مشتركة، معظمهم من أبناء المخيم.
يتوزع العمل المسرحي في مسرح الحرية إلى جوانب عدة تتكامل مع بعضها البعض في نهاية المطاف، منطلقة من ورش دراما للناشئين في مختلف الأجيال، من خلال تعريضهم بشكل مبسط وسلس لفنون الأداء المسرحي والدراما بشكل عام، إلا أن الأمر تطور في العام 2008 ليتم تأسيس مدرسة التمثيل التي تحول فيها العمل الدرامي من مجموعة من الورش الفنية إلى ثلاث سنوات دراسية ممنهجة بأسلوب يسمح للطلاب بأن يعبروا بالرحلة الدرامية والتعامل مع ما يمكن من فنون الأداء المسرحي، وعمل الكثير من خريجي المدرسة في مؤسسات مسرحية أخرى في فلسطين.
وقد طوَّر مسرح الحرية مفهوم المسرح التطبيقي لاحقاً ليكون طرفاً ثالثاً في معادلة التطور في المخيم، من خلال العمل مع المعلمين والمختصين في مجال الصحة النفسية والعقلية والعاملين في المجال الثقافي، بهدف إدخال الدراما كأسلوب تعليمي من جانب وأسلوب تفريغ نفسي من جانب آخر، من خلال العديد من التطبيقات المسرحية التي من شأنها أن تجعل الإنسان يقدم ما يريد قوله بأفضل أسلوب يراه مناسباً.
وقد تبعها الإنتاج التقليدي للأعمال المسرحية، التي يتم استلهامها من قضايا أساسية للمخيم بشكل خاص، والمجتمع الفلسطيني بشكل عام، والتي يتم تقديمها في جولات محلية أو عالمية، ولقد كانت المسرحية الأخيرة «الحصار» التي تتناول قضية حصار كنيسة المهد، قد شكلت صرخة في الإعلام الأوروبي بعد الحملة التي شنها الاحتلال لمحاولة تشويه المسرحية، قبيل افتتاحها في لندن في بداية العام الحالي. 
هذا إضافة إلى استخدام خشبة المسرح لمجموعة من العروض الأدائية لمؤسسات مسرحية وفنية أخرى، إلى جانب البدء بأداء قصص شعبية وتراثية من خلال الحكواتي، التي سيتم اعتمادها نشاطاً أساسياً خلال الأعوام القادمة، بهدف انخراط أطفال المخيم في أساليب مسرحية أخرى.
وفي القسم الثاني من عمل مسرح الحرية، يبرز دور الوسائط المتعددة التي من شأنها أن تفتح أفقاً جديداً للعمل الفني داخل المخيم، من خلال تدريب وتطوير مهارات الشباب والصبايا في صناعه الأفلام والتصوير الفوتوغرافي، والتي تثمر إنتاجات سينمائية خاصة بالمشاركين يتم عرضها على مستوى محلي وعالمي، وتوسيع قدرة الخيال لدى المشاركين، من خلال الكتابة الإبداعية في الشعر، والمقال، والمسرح، ويتم نشرها في مجلة أصوات التي يصدرها المسرح أيضاً.
الجانب الآخر الذي وسع من أفق عمل المسرح، وفتح المجال الإبداعي والتشاركي لمشاركين من مختلف المناطق على المستوى المحلي والعالمي، هو مشروع باص الحرية، الذي ينتقل في مناطق متعددة داخل فلسطين بهدف تقديم عروض فنية أو مشاهدة عروض فنية، أو فتح حوارات ثقافية وفنية وتفاعلية بين مجموعة من الفنانين والمسرحيين.
لقد كسر مسرح الحرية الصورة التي صنعها الاحتلال عن مخيم جنين بشكل خاص، وعن المخيمات الفلسطينية بشكل عام، حيث أصبحت المخيمات هي من يصدِّر الحياة إلى باقي العالم، وتنتقل من كونها مقاتلة من أجل الحرية، لمقاتلة لكل أنواع الحرية بأكثر الوسائل حرية وإبداعاً؛ المسرح.

شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية