تاريخ النشر: 21 تموز 2015

مسرح عشتار: رؤية فنية شاملة وصوت الضحية

لأنها سيدة الحب الأولى، فهي ما زالت سيدة الحب الأخيرة، هي عشتار التي تعيد ترتيب المشاهد والمسموع، وتضعه في القلب على شكل إحساس، ندرك بعد حين، نحن البسطاء، كم هو ثقيل وجميل، وفي الوقت الذي يختفي فيه الحب في البلاد ومن العالم، تظل بعض شهقات الأمل تبرز كل حين، لتعيد لنا شعور الإنسان القادر على الحياة، الذي يحارب من أجلها، الإنسان الذي يأخذ الذاكرة، يُعدُّ بها المستقبل في لحظاتٍ من الانتظار الكثيف.
وبين عشتار الحب وعشتار المسرح، لا نجدُ فارقاً لغوياً، ولا حتى في المعنى، فالمسرح الذي يصدرُ الحب للآخرين هو ذاته عشتار التي تمنحُ الحب للناس، مع اختلاف الوسائل بين زمنين بعيدين في الأرقام، قريبين في العمر، كأنه تجربة العمر التي في نهاية المطاف تنجبُ عمرها مرة أخرى.
ولقد تأسس مسرح عشتار العام 1991 في القدس، حيث بدأ العمل هناك كأول مسرح تدريبي للشباب الفلسطيني على يد الممثلين إيمان عون وإدوارد معلم، وقد انتقل مقر المسرح للعمل في رام الله بعد فترة من الزمن، ومن ثم توسع واستطاع أن يفتتح له فرعاً آخر في قطاع غزة، عبر سنوات من العمل والطاقة والجهود والصعوبات التي وضعت حياة المسرح على المحك، إلا أنه استطاع أن يعيد نفسه من جديد تماماً كما بدأت عشتار الحب.
يؤمن مسرح عشتار بأهمية العمل المسرحي النابع من المجتمع كحالات وقصص وقضايا، كأداة تغير في الوقت ذاته، والتغير الحقيقي المندفع بتفاعل جدي مع المجتمع؛ سواء بطرح قضايا جادة بأسلوب ساخر، أو بوضع أفراد المجتمع على المسرح بشكل يسمح لهم بالخروج من نطاق قانون الشارع إلى حرية الخشبة في الوقت ذاته، ولقد كانت تجربة مسرح المضطهدين بداية صارخة في هذا الميدان، حيث عزم مسرح عشتار على إيصال رسالة الإنسان المضطهد، وبصوته، وكما يريد أن يقولها هو، من خلال العديد من الإنتاجات المسرحية، وعبر إطلاق فعاليات موسم مسرح المضطهدين، الذي أصبح لاحقاً مهرجان مسرح المضطهدين، والذي يحمل في كل عام عنواناً يضع الضحية في الموقع الذي يسمح لها بالتعبير عن نفسها، وأن يسمع الجلاد صوتها أيضاً.
ويتم ذلك من خلال مجموعة من العروض المسرحية التي أنتجتها العديد من المسارح المختلفة في فلسطين والعالم، بما يتلاءم مع رؤية المهرجان والتوجه العام للمسرح، ليتم تنظيمها وتقديمها في مجموعة من المناطق في فلسطين، وإلى جانب العروض المسرحية، فإنه يتم عقد العديد من الورش التفاعلية والتدريبية بين الطواقم الفنية المتعددة، ويتم تقديم نتائج هذه الورش ضمن فعاليات المهرجان، سواء ارتجالات في إنتاج مسرحي، أو جلسات حوارية، أو حتى تطوير للمهارات.
واستكمالاً لرؤية مسرح عشتار في التغيير، فقد تم إنشاء برنامج تعليم الدراما، الذي ينخرط فيه مجموعة من الفتية والشباب في العمل المسرحي بشكل تدريجي، ويعرّضهم لمجموعة من الحالات المسرحية في التمثيل والكتابة والإخراج، إضافة إلى العديد من العناصر الأخرى كالأزياء والموسيقى والإضاءة. 
ولقد تعرض العديد من الشباب لتجارب فعّالة تم عرضها في النهاية وتقديمها للجمهور، أسست لخلق جيل من الشباب المسرحي الذي أصبح لاحقاً جزءاً من طواقم مسرحية أخرى في فلسطين والعالم.
ولقد لعب المخيم الصيفي المسرحي الدولي دوراً آخر مع الشباب، بتعريضهم لمجموعة من فنون الأداء التي لها أن تؤثر في وعيهم ونضجهم، والتفاعل مع المجتمع والحياة عبر الفنون الأدائية.
ومع اندماج في الأفكار بين الضحية من جانب، والعمل مع الناس من جانب آخر، خرجت فكرة مونولوجات غزة، التي تضع أي مشاهد في زاوية أخرى لرؤية غزة؛ القطاع الذي يخرج من دائرة الأخبار إلى دائرة الإنسان، بوضع نصوص مستوحاة من قصص أهل القطاع خلال الحروب التي شُنت عبر السنوات الماضية، والتي فتحت جرح الإنسان ليضعه على المسرح بأسلوب تأبى فيه الضحية أن ينظر العالم إليها كضحية لا غير.
ولقد انطلقت مونولوجات غزة نحو العالم من خلال العديد من العروض الدولية، عبر مهرجانات فنية ومسرحية حول العالم، فتحت المجال لانخراط مسرح عشتار مع العديد من المؤسسات الفنية والثقافية حول العالم، إلى جانب بناء شبكة من العلاقات في عدة مجالات مسرحية عدة كالكتابة، والتمثيل، والإخراج.
ولقد تمكن المسرح من خلال الأنشطة العديدة التي يقوم بها على وضع هذه الأنشطة كافة في خدمة الرؤية الفنية للمسرح من جانب، والوصول إلى الناس من جانب آخر، من خلال ربط الأنشطة كافة في رؤية المسرح، كالعمل مع الشباب، والتواصل مع المجتمع بهدف التغيير، والأعمال المسرحية الحرفية التي تركت حضورها على المسارح العالمية.
ولقد لعب مسرح عشتار دوراً محورياً في الحركة المسرحية الفلسطينية؛ سواء في مرحلة التأسيس أو في جودة ما تم إنتاجه من عروض مسرحية وفنية عبر تلك السنوات، ولا تزال تلك "الحواصل" الصغيرة في شارع الإرسال في رام الله والملونة بالخمري، قادرة على جذب الناس، وقادرة على الإنتاج والإبداع.

شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية