تاريخ النشر: 14 تموز 2015

زياد خداش في «خطأ النادل».. المقاومة بالرموز

نازك بدير
يتمسّك زياد خدّاش في كتابه «خطأ النّادل» الصّادر عن الأهليّة للنّشر والتّوزيع بجماليات الحياة على الرّغم من قسوتها، لا سيّما في الدّاخل الفلسطيني، سواء أكان مسرح الحدث هو المخيّمات، أم المدن الفلسطينيّة.
وفي الوقت الذي تتعرّض فيه الهويّة الثقافيّة والوطنيّة والقوميّة لمحاولة تقويض، يأتي هذا العمل كمحاولة لترسيخ الوجود الفلسطيني، ومقاومة العوامل التي تهدف إلى محو الذاكرة التّاريخيّة، جمع الكاتب في نصوصه موروثاً اجتماعيّاً وقوميّاً، أي ما لا يمكن للحكومات أن تسلبه؛ الشّعور بالانتماء إلى الوطن.
يتألّف الكتاب من مئة وثمانية وثلاثين نصًّا قصيراً مشدوداً إلى نقطة واحدة هي فلسطين، تتوزّع الأمكنة ما بين المخيّم ورام الله. وتحضر يافا وغزّة وعكّا بخجل في النّص. يروي خدّاش مشاهد من طفولته التي أمضاها في رام الله وشوارعها.
يروي تبدّل معالم الأمكنة، وتغيّر ساكنيها، وكأنّ الاحتلال يعمل على تشويه الهويّة؛ استبدل البيت والحاكورة بالمؤسّسات الأمنيّة والعمارات العالية، وبذلك، يفقد المكان خصوصيّته ورائحته، ويصبح ذا لون واحد، هذا التغيّر الجذري يؤدّي مع الوقت إلى شلّ جزء كبير من الذّاكرة المكانيّة، التي احتضنت تراث الفلسطينيين وعاداتهم وتقاليدهم.
أمام محاولة الاحتلال التلاعب بالذاكرة وتضييع الهوية، يلجأ خدّاش في كتابه إلى مجموعة من الرموز التي تسعى إلى ترسيخ العلاقة بالجذور، لكن ثمّة ثنائيات متعارضة تتجلّى من خلال استخدام الرّمز، فإلى جانب تواتر كلمة الشجر وما تختزنه من دلالات التّشبّث بالأرض، والتّمسّك بالوطن، والامتداد والعطاء من دون مقابل «تعلّم لغة الشّجر». (ص.56) يحضر رمز الباب ورمز السّقف بقوّة في النّصّ، ويحملّهما الكاتب دلالاتٍ مغايرةً بعد أن يفرّغهما من الدّلالة الأصليّة؛ فالباب الذي يرمز إلى الحماية، يتحوّل في نصّ خدّاش إلى عامل يصنع الخوف، أمّا السّقف الذي يفترض أن يكون حاجزًا يدرأ الأخطار، يصبح مصدّرًا للموت. «أندسّ مع أشقّائي في فراشنا، تحت سقف الزّينكو في غرفتنا الصغيرة بالمخيّم (...) بينما غضب الربّ والعالم يدقّ سقفنا الحديدي المتحرّك». (ص.26)
إذاً، برزت حالة القلق التي يعيشها الفلسطيني من خلال رمزَي الباب والسّقف اللذين تواترا في معظم النصوص، وحمّلهما الكاتب الخوف من الآتي، من المجهول، لا بل من برابرة العصر (جنود الاحتلال الصهيوني) «ربما يكسرون الباب في ما لو تأخرنا في فتحه، ربما ينتظروننا عند الباب حتّى الصّباح ليكسروا طعم الأغنية وشكل النّدى ورائحة القهوة». (ص 44-45)
وعلى الرّغم من مظهر الّلغة السّرديّة الواضحة، إلا أنّها تحيلنا إلى قضية عميقة، هي قضيّة الفلسطيني المتروك من دون سقف ومن دون حماية دوليّة، تُخلَّع أبوابه على مرأى ومسمع الحكومات العربية والأجنبية. يبقى معرّضًا إلى رياح الاغتراب، والاقتلاع من أرضه، والتشريد في العراء.
أمّا الزّمن المسيطر في النّصّ فهو الماضي، بما يختزنه من ذكريات تجعله يتحرّر من عبء الحاضر، يهرب الكاتب باستمرار نحو سبعينيّات القرن العشرين، يحلم بالتّجرّد من أناه، والعودة طفلًا «ولد للتوّ، لا يعرف من هو، قولوا لي من أنا؟». (ص.41) ويكاد يغيب المستقبل من زمن السّرد أو أنّ الكاتب يغيّبه، عن أيّ مستقبل يتحدّث أمام مَن اقتلعوا مِن ديارهم، وحشروا في مخيمات الصّفيح؟
ويبقى الإحساس بالتيه هو السّمة الغالبة على «خطأ النّادل»: «هل تعرف أين تقع مدينتي؟». (ص. 36) إلى متى سيبقى الفلسطيني تائهًا، وأرضه محتلّة؟ أما من نهاية لهذا النّفق العربي؟
عن «جهة الشعر»