تاريخ النشر: 07 تموز 2015

شكري المبخوت: الرواية العربية بحاجة الى مجهود أكبر لكي تعالج الالم الإنساني


لدي مجموعة شعرية تبحث عن ناشر
حوار نيفين الحديدي* :

رغم أن «الطلياني» هي الرواية الأولى للتونسي شكري المبخوت، إلا أنها حققت المفاجأة بفوزها بجائزة «البوكر» للرواية العربية لعام 2015، ضمن قائمة تضم ست روايات أخرى تنافست على الفوز، وهي عمل خرج للضوء بتأثير ثورات ما عرف بالربيع العربي، لتفرض نفسها في سياق سياسي شهدته تونس بعد ثورة الياسيمن، حمل آلام وخيبات وأحلام جيل من التونسيين.
نساء تونس هن اللواتي يحملن مشروع التنوير والتحرر، وثورة الياسمين قلمت أظافر الإسلام السياسي وزادت الوعي بخطورته، كما تحقق بعدها مجال واسع لحرية التعبير.
ظهور «داعش» مرتبط إلى حد كبير بأن الوعي العربي مازال لم يستبطن قيم المواطنة والاختلاف والتعددية، مازال لم يستبطن تطهير ثقافته من العنف المتأصل فيها، ككل الثقافات التي لم تستطع أن تدخل إلى الحداثة.
والمبخوت حاصل على دكتوراه الدولة في الآداب من كلية الآداب في منوبة، ويشغل الآن منصب رئيس جامعة منوبة، وله العديد من الإصدارات في النقد الأدبي.
24 التقاه على هامش مشاركته الأخيرة، وتكريمه في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، وحول هموم عالم الكتابة، وتجربته الإبداعية، كان معه هذا الحوار:
كيف تنظر إلى فوز «الطلياني» بجائزة البوكر للرواية العربية؟ وهل كنت تتوقع هذا الفوز؟
هذا الفوز بالنسبة لي اعتراف أدبي بالرواية، واعتراف أيضاً بأن العالم العربي يتميز بالتنوع، ويمكن للمدونة السردية، أن تحتل موقعاً ضمن المشهد الأدبي والروائي العربي، إضافةً إلى ذلك أشعر بأنني كنت سبباً من حيث لا أدري ربما، ولم أقصد، بأن يفرح الكثير من التونسيين، وهم في وضع صعب، يتطلب شيئاً من الفرح، لذلك تبدو لي المسألة فيها شيء من النخوة، تضاف إلى الجانب الشخصي أو الفردي بعد حصولي على الجائزة، بصراحة كنت متوقعاً لهذا الفوز، أكذب عليك لو قلت إن الرواية كانت فاقدة لحظوظها، وأكذب أيضاً لو قلت إني كنت متأكدا مئة بالمئة، ولكن هناك دائماً هامشاً، يعود إلى أن بقية الروايات المرشحة، روايات جميلة، وفيها قدرات فنية، وعوالم مجددة، لذلك لا أستطيع شخصياً أن أقيم موقع عملي بين بقية الأعمال تقييماً مطلقاً، أصارحك أيضاً بأني أمتلك جميع الروايات، ولكني لم أقرأ إلا رواية حمور زيادة «شوق الدرويش»، البقية رفضت أن أقرأها قبل الإعلان عن الجائزة، حتى لا أدخل في منطق المقارنة، لكنني الآن بصدد قراءة البقية.

كيف بنيت شخصية الطلياني، هل هي مأخوذة عن شخصية حقيقية؟ أم أنها مزيج بين الواقع والخيال؟
بالنسبة للطلياني كثيرون يعتقدون أني رسمت شخصية حقيقية، أو تتبعتها، أو استلهمت شخصية حقيقية، وذهب البعض أبعد من ذلك إلى حد القول أن شخصية الطلياني فيها جانب سيرة ذاتية لي، صدقاً أن الطلياني صنعت من خيال، بيد أن هذا الخيال هو تركيب لمعطيات كثيرة، قد تكون أصولها واقعية، مما عاينت أو مما سمعت من حكايات، وربما من تصورات شخصية لبعض ما عرفت في حياتي، وأعدت مزجها وصياغتها وفق قوانين الخيال، والخيال هنا ليس نقيضاً للواقع، بل هو في صلب الواقع، ونحن دائماً حين ننظر إلى مثل هذه الشخصيات المركبة، نعتقد أنها لا تعبر عن الواقع، في حين أنها إما أن تكون خلاصةً لحقيقة الواقع، أو تكون شيئاً يضاف لهذا الواقع، ليجلوه، شخصية الطلياني جاءت فاتنة لأنها لم تكن أحادية، كانت تعبر عن نزعات الإنسان وتردداته وخيباته وأحلامه وتناقضاته، وصراعاته، مع نفسه ومع من يحيط به، هذا التركيب ربما هو من جعلها شخصيةً مبهرة.
عملت لسنوات طويلة في النقد الأدبي، ونشرت العديد من الإصدارات في هذا المجال، لكنك انتقلت في «الطلياني» إلى عالم الرواية والكتابة الأدبية؟ ما الذي دفعك لهذه الخطوة؟
حين نتصدى لكتابة أي جنس من أجناس القول، سواء أكان هذا الجنس من الأدب أو من الكتابة التي تتطلب معالجة المفاهيم، وتتطلب تناول الإشكاليات، توجد دائماً مراسم، ونوابض وقواعد، علينا أن نتحرك ضمنها، وعلينا أن نحترمها، من يجمع بين أكثر من جنس بالقول، معنى ذلك أن له حاجة للتعبيرعن أشياء عديدة ومختلفة، بأجناس مختلفة، لا أرى نفسي وأنا أكتب البحث الأكاديمي، قد تخليت عن خيالي مثلاً، أو عن صرامتي ودقتي، وحين أكتب العمود الصحفي أيضاً، فذلك يتطلب جديةً، وهو لا يعني أن نقدم أي شيء للقارئ، وهذه نظرة خاطئة للصحافة، ولكن إن احترمنا أنفسنا واحترمنا قارئنا، فإن الجهد الذي يبذل في العمود الصحفي، لا يقل قيمةً عن الجهد الذي يبذل في بناء عالم روائي.

تطرقت في الرواية للصراع السياسي بين اليسار واليمين، كيف تقرأ واقع اليسار اليوم في تونس؟
اليسار واليمين والإسلاميون والإسلام السياسي وغيرها، ليست إلا متغيرات، الصراع الحقيقي بتقديري في الرواية، هو بين شوق الإنسان إلى الحرية، والعوائق التي تعترضه في طريقه إلى نحت كيانه، وبناء فضاء لحريته، سواء كانت الشخصية، شخصية عبد الناصر، أو الشخصيات النسائية بالخصوص، فهذه الرواية عكس ما قد يتوهم، ليست رواية شخصية رجل، بقدر ما هي رواية نساء، ورغم ذلك، مشكلة اليسار طرحت بالرواية باعتباره حاملاً لقيم التنوير والتحديث ومبادئ الحرية والتقدم، فالذي انهزم مع جحافل الفكر الظلامي، هو هذه القيم، والشوق إلى الحرية، لأن المشروع الإسلامي السياسي، لا يمكن أن يكون في ظني، مشروعاً تحررياً، بل هو مشروع يعيق التحرر.

كيف ترى المشهد السياسي في تونس، وخاصةً بعد انتصار ثورة الياسمين، هل تجد أنها حققت شيئاً من أحلام التونسيين؟
المشهد في تونس الآن غير متشكل بصفة مستقرة، هو بصدد التشكل، ولكن هناك أمرا مهما في رأيي، هو أن الإسلام السياسي، قلمت أظافره في تونس لسببين، أولاً وجود شيء اسمه المرأة التونسية، التي وقفت لتقول لا للعودة إلى الوراء، نساء تونس هن اللاتي يحملن مشروع التنوير والتحرر، الأمر الثاني، هو وجود مجتمع مدني نشيط، وغير قابل للمقايضة، وقف كل هذا ضد الإسلاميين، وكوّن نداً للإسلام السياسي، وكوّن جبهة حقيقية معارضة لأي عودة إلى الوراء، ولكن هذا لا يعني أن القيم والمبادئ والأهداف التي ثار لأجلها التونسيون تحققت، بالعكس نجد انحرافاً بمطالب الناس، بالكرامة، بالشغل، بالحرية، انحرفت بظهور الإسلام السياسي إلى قضايا أخرى، تغلف بغلاف الهوية العربية الإسلامية، رغم أن تونس بلد متماسك، إلى حد كبير دينياً، ومتماسك أيضاً في مستوى الوحدة اللغوية، تهيمن فيه العربية، ولا تطرح قضية الهوية إلا لتوظف سياسياً في تقديري، توظيفاً كثيراً ما كان لمعارضة المشروع التحديثي الذي سارت فيه تونس مبكراً، إذاً من الناحية السياسية لا يمكن القول إن التونسيين ربحوا شيئاً كبيراً، لأنهم ما زالوا يعيدون صياغة مفهوم للسياسة، لم يكن موجوداً من قبل، ولكن الشيء الوحيد الذي تحقق هو مجال واسع لحرية التعبير، ثم الوعي بخطورة الإٍسلام السياسي.

هل ترى أن ظهور الجماعات المتطرفة، وخاصةً داعش، هو نتيجة طبيعة لأحداث ومتغيرات يعيشها العالم العربي؟ أم أنه صناعة غربية لدول لها أجنداتها الخاصة في المنطقة؟
مهما تكن التفسيرات لست محللاً استراتيجياً، لكني أنظر إلى «داعش» من جانب ما يظهر منه، من هذا القتل الوحشي، من هذا الذهاب بالعنف إلى حدوده القصوى، بهذه المسرحة للوحشية والبدائية، هذه الداعشية إن صح التعبير، هي كامنة في ثقافة لم تتطور من الداخل، هي نتاج طبيعي إلى حد كبير لعجزنا منذ النهضة إلى اليوم من طرح السؤال الديني طرحاً حقيقياً، بإعادة فهم النص وفق مقتضيات العصر، في كل بلد عربي دواعش خامدون، ولكن بلحظة الصفر حين تنسد الآفاق وتكون الفوضى، سيظهر هذا الداعشي، لذلك إذا تركنا جانباً الأمور الأمنية العسكرية، فإن الوعي العربي مازال لم يستبطن قيم المواطنة والاختلاف والتعددية، مازال لم يستبطن تطهير ثقافته من العنف المتأصل فيها، ككل الثقافات التي لم تستطع أن تدخل إلى الحداثة، بإعادة التفكير فيها وبنائها.

كيف وجدت مستوى تفاعل القراء مع «الطلياني» في تونس؟
ما أذهلني هو إقبال الشباب على الرواية، بين 18 و 25 عاماً، لأنني كنت أعتقد أن هذا الجيل هو جيل مواقع التواصل الاجتماعي، وليس جيل القراءة، وكنت أعتقد أن القراءة تنعى حظها في بلادي، كما في العالم العربي، وإذا بي أكتشف شباناً رائعين لهم آراء نافذة، وناقدة، ودقيقة عن الرواية، تشدهم أشياء لا تخطر على بالي، أذهلني أيضاً إقبال القراء الفرنكفونيين في تونس، هؤلاء الذين يعرفون العربية، ولكنهم يتمتعون بالرواية المكتوبة بالفرنسية، أو المترجمة إلى الفرنسية، فإذا بهم يجدون في «الطلياني»، في أسلوب «الطلياني» على الأقل، أسلوباً يشدهم ويجعلهم يتجاوزون عقدة أن النص العربي أو الرواية العربية ليست سهلة القراءة، أعتقد أن حظ «الطلياني» مع القراء، كان حظاً جميلاً مبهجاً.

ما رأيك بالمشهد الأدبي العريي؟
ما يزعجني حقاً أن المشهد الأدبي العربي أصبح مركزاً على الرواية، حتى أن جل الناشرين أصبحوا يرغبون عن نشر المجموعات القصصية، بزعم أنها لا تباع، وحتى الشعر، وإن كانت الأزمة العالمية، ولكن قيسي على ذلك أمر المسرح المكتوب أيضاً، فلا أظن أن ما تحقق في الرواية على أهميته بكاف ليتطور المشهد الأدبي العربي، بتنوع أجناس القول، وتكامل هذه الأجناس، هذا شخصياً ما يحيرني من الناحية الأدبية، لأن كل هذه الأجناس تعبر عن حاجة ثقافية وأدبية ورمزية من الحاجات، تصوري ثقافة بدون قصةً قصيرة، أو بدون شعر، وأظن أن للجوائز دوراً في ذلك، لأن الاهتمام بالرواية جعل الكتاب يتوجهون إلى كتابة الرواية، في حين لو وفرنا جوائز لأنواع أدبية أخرى، والإمارات قادرة على ذلك، دولة مثل الإمارات ذات مشروع ثقافي، وتقدم بسخاء للثقافة، تصوري لدينا «البوكر» في الرواية، وما يشبه «البوكر» بالقصة القصيرة والشعر، وأخرى للمسرح، لكن بمقاييس صارمة جداً، فإن ذلك يطور لا محالة المشهد الأدبي العربي.

قلت في لقاء سابق إن العالم العربي أفرز كتاباً غزيري الإنتاج، لكن ما ينقص الرواية العربية هو التدفق الإنساني الذي يخرجها من حدودها اللغوية إلى سماء الإبداع؟ ما الذي قصدته تماماً؟
الرواية العربية تحتاج إلى مجهود أكبر لكي تعالج الألم الإنساني العميق، لا يعني هذا أنه غير موجود لدينا، ولكنه ليس موجوداً بالقوة المطلوبة والعمق المطلوب، فدائماً أتساءل شخصياً ما هي الروايات التي يمكن أن تترجم، لا أدري مثلا إذا ما ترجمت «الطلياني» كيف سيكون وقعها على قارئ ياباني، أو إنكليزي أو صيني، هذا هو الإشكال، فليست كل رواية ناجحة بالعربية، يعني أنها ستنجح بغير اللغة العربية، أنا لا أملك إجابةً، إنما هو تساؤل فقط.

هل تفكر أن تكتب في أنواع أدبية أخرى مثل الشعر والقصة؟ وما مشروعك الروائي القادم؟
أنا لم أنتظر «البوكر» لأطور مشروعي الأدبي، حالياً لدي مجموعة شعرية تبحث عن ناشر، وهذا إعلان رسمي، ولي أيضاَ مجموعة قصصية، بصدد تنقيحها، كما هناك رواية ثانية جاهزة تقريباً للنشر.
«عن 24»