بقلم: يوفال ديسكن*
طالما لم تُقدم أجوبة للجمهور على بضعة أسئلة صعبة ومبدئية حول حملة "الجرف الصامد"، فإن لسكان غلاف غزة سبباً وجيهاً لعدم الثقة بتفكر الجيش والحكومة.
في الصيف الماضي، قبل نحو خمسة أشهر بالإجمال، وقعت هنا حقا حرب "الجرف الصامد". حرب لم نخطط لها، حرب جُررنا إليها، وأهدافها تقررت أغلب الظن على عجل، في اللحظة الأخيرة تماما. حرب سقط فيها 72 شهيدا، أغلبيتهم الساحقة جنود، من أفضل أبنائنا، ممن قاتلوا ببسالة، بتفانٍ شديد، وبتصميم مثير جدا للانطباع، ولكن أغلب الظن ليس مع أفضل الوسائل، من اجل تدمير منظومة عشرات الأنفاق الهجومية التي حفرت من قطاع غزة الى أراضي اسرائيل.
من الواضح أنه لم تكن ثمة مفاجأة استخبارية في مسألة أنفاق الهجوم. فأنا يمكنني أن أقرر بيقين لدوري الشخصي العميق: حتى أيار 2011، موعد اعتزالي المخابرات، كانت في المخابرات، في قيادة المنطقة الجنوبية وفي شعبة الاستخبارات، معلومات كثيرة ونوعية (حتى وإن لم تكن كاملة) جُمعت على مدى سنوات طويلة عن انفاق الهجوم، وحظي الموضوع بسبب خطورته الشديدة بمعالجة خاصة وأولوية عليا.
بحث قصير في "غوغل" سيغرقنا بروابط عديدة لتقارير رُفعت اثناء السنوات الثماني الأخيرة الى لجنة الخارجية والأمن، في استعراضات الصحافيين، وبالطبع في جلسات الحكومة، عن الأنفاق التي حُفرت من قطاع غزة الى أراضي إسرائيل لغرض تنفيذ العمليات. ومجموعات عمل استخبارية وعملياتية عنيت في المخابرات، في قيادة المنطقة الجنوبية وفي شعبة الاستخبارات بجمع المعلومات، بتحليلها وبتقديرها، عقب الفهم العميق الذي ساد في المنظومة عن التهديد الخطير المحدق من الانفاق الهجومية.
ولمن لا يتذكر، فإن أحد الأسباب الأساسية للتدهور بعد فترة "التهدئة" في العام 2008 والتي أدت الى حملة "الرصاص المصبوب" كان اصرار المخابرات وقيادة المنطقة الجنوبية على معالجة نفق هجومي كهذا حُفر باتجاه كيبوتس ناحل عوز، قبل نحو شهر ونصف من الخروج (المبادر اليه) الى حملة "الرصاص المصبوب". وبالمناسبة – في تلك الحملة، قامت قوة من الجيش الإسرائيلي بتفجير المنزل المفخخ الذي حُفر منه النفق، ولحظنا لم تقع إصابات.
وبعد "الرصاص المصبوب" ايضا (كانون الثاني 2009) استمر جمع المعلومات عن الانفاق، بل وبقوة أكبر. كان واضحا أن "حماس" تركز جهودا استثنائية في هذا المجال، وبهذا فقط تلقى الموضوع أولوية عالية جداً، سواء في المخابرات أم في قيادة المنطقة الجنوبية وفي شعبة الاستخبارات.
الأسئلة المبدئية التي لم نتلق أجوبة عليها بعد:
1- في نهاية العام 2012، قبل نحو سنة ونصف من حملة "الجرف الصامد"، انطلقت دولة اسرائيل الى حملة "عمود السحاب" ولهذا الغرض تم تجنيد كبير للاحتياط. لا شك أن الصورة الاستخبارية لتهديد الأنفاق الهجومية، بخطورتها، كانت واضحة تماما للجميع. فهل يحتمل أن يكون مفهوم "الصواريخ ستصدأ" الذي يعزى لموشيه يعلون كرئيس للأركان في مواجهة "حزب الله"، ضرب جذوره مرة اخرى في عهد نتنياهو، باراك، ويعلون، في سياق الانفاق الهجومية من القطاع ايضا؟ لماذا بالتالي لم يجر الحديث عن تهديد الانفاق وعن الحاجة الى معالجته في اثناء الاستعدادات لـ "عمود السحاب"؟ لماذا لم ينفذ دخول بري الى القطاع منذئذ لغرض معالجة الانفاق، رغم أنه جُند احتياط بحجم واسع جدا؟.
2- لا شك أن هذه المعلومات الاستخبارية عرضت على نتنياهو وعلى وزير دفاعه باراك في فترة حكومة نتنياهو في العام 2009، ويعلون في فترة الحكومة الاخيرة. بل إن نتنياهو ادعى بأنه عين مستشار الامن القومي في حينه، اللواء احتياط يعقوب عميدرور، لتنسيق معالجة موضوع الانفاق. وأكد عميدرور نفسه ذلك، بل قال بصدق إنه لم يجر عمل الكثير في هذا الشأن. فهل يدور الحديث عن اخفاق القيادة السياسية التي لم تعط لذلك أولوية؟ أم ربما أن القيادة الامنية (الجيش والمخابرات) لم تطرح المعاني الاستخبارية التي في حوزتها في هذا الموضوع كما ينبغي على رئيس الوزراء، ووزير الدفاع والمجلس الوزاري؟.
3- قبل شهر ونصف من "الجرف الصامد" اتخذ قرار غريب للغاية لتقليص ملاكات مسؤولي الامن الجاري في بلدات الغلاف. فكيف بالتالي اتخذ مثل هذا القرار، اذا كان تهديد الانفاق الهجومية واضحا للجميع؟ من تجربتي، فان هذا القرار الهامشي ظاهرا بالذات، يمكنه أن يشهد باحتمالية عالية على اخفاق خطير في تقويم الوضع وبالإحساس العام الذي ساد في "جهاز الأمن" في ذاك الوقت في موضوع الانفاق.
4- هل يحتمل أن يكون قادة منظومة الاستخبارات والامن (ولا سيما رئيس الاركان، ورئيس شعبة الاستخبارات، ورئيس المخابرات) لم يطرقوا عشية "عمود السحاب" ولا عشية "الجرف الصامد" أبواب وطاولات وزير الدفاع ورئيس الوزراء في هذا الشأن؟.
5- كيف كان نتنياهو ويعلون مستعدين لوقف النار قبل أن تبدأ الحملة البرية، رغم المعلومات الكثيرة عن الانفاق الهجومية التي حفرت الى أراضينا، بل وكان ثمة تحذير واضح (وعلى فهمي لا جدال بين المخابرات وشعبة الاستخبارات) من العملية الاستراتيجية من خلال النفق في منطقة كرم سالم؟.
من طبيعة الحروب والحملات أن تكشف نقاط الخلل، ولكن أخطر من ذلك هو عدم استنفاد التحقيقات وتطبيق الدروس اللازمة. أنا على قناعة بأن الجيش والمخابرات أجريا تحقيقات عديدة، ولكن القيادة السياسية ايضا ملزمة بتقديم الحساب لنا – للجمهور على سلوكها، قيادتها، وقراراتها اثناء "الجرف الصامد"، والتي يوجد حولها علامات استفهام عديدة.
مثلما لكثيرين آخرين، لديّ ما هو أكبر بكثير من الاحساس بأن القيادة السياسية تحاول تكنيس الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بـ "الجرف الصامد" تحت البساط. بعض هذه الأسئلة تشير الى إمكانية مواضع خلل خطيرة وتفكر اشكالي في اتخاذ القرارات.
في غياب الأجوبة على هذه الأسئلة المهمة، فان لسكان غلاف غزة اسبابا شرعية جدا لعدم تصديق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومواصلة كفاحهم العادل ضد قرار اخراج الجنود من البلدات التي تقع فوق كيلومتر عن الجدار وعلى ألا يُشطب موضوعهم عن جدول الاعمال اليوم.
اليوم بالذات، في فترة الانتخابات، علينا أن نطالب منتخبينا ولا سيما اولئك الذين يتباكون بأنهم "أمنيون" وذوو "قبضة حديدية" بالحساب في هذا الشأن.
ماذا لدى نتنياهو "الأمني" ليقوله في ذلك؟ هل نفتالي بينيت واوري اريئيل كانا سيقبلان بصمت كهذا تقليص الحماية للمستوطنين في القدس أو في "يهودا" و"السامرة"؟ وما هو موقف افيغدور ليبرمان أم أنه يعنى جدا بالنار التي تضرمها قضية التحقيقات في "اسرائيل بيتنا"؟ كما أني اسأل أولئك الذين خارج الحكومة – بوجي وتسيبي ويائير وشاؤول وزهافا وكحلون ايضا – أين أنتم في هذا الشأن؟.
عن "يديعوت"
*رئيس المخابرات السابق.