تاريخ النشر: 06 كانون الثاني 2015

اليســار الإسرائيلـي و"مـتـلازمـــة" أبرهـــام بـــورغ!


بقلم: بن درور يميني
من قيادة المعسكر الصهيوني الى هوامش المعسكر المناهض للصهيونية. كان ذات مرة شاباً كفؤاً، طليق اللسان رائعا، يقدم زاوية في التلفاز، نشيطا في «السلام الآن»، ثم سرعان ما أصبح نجماً صاعدا في حزب العمل، ولاحقا رئيس الوكالة اليهودية ورئيس الكنيست. لقد جسّد اليسار الصهيوني. هذا وذاك معا.
العام 2000 كان أحد الأعوام الأكثر إثارة للاهتمام في النزاع الإسرائيلي – العربي. فقد فشلت محادثات «كامب ديفيد»، رغم أنه لأول مرة كانت إسرائيل مستعدة لتقسيم القدس. أحد المعارضين الأكثر حدة لم يكن في حينه أحد غير أبرهام بورغ. في نهاية ذاك العام، في 23 كانون الأول، وضع على الطاولة اقتراح كلينتون، الذي أقرته حكومة إسرائيل. قال الفلسطينيون «لا» واضحة وكبيرة، تضمنت الإصرار على «حق العودة».
وماذا حصل في حينه لذاك الولد العُجبة من اليسار وحزب العمل؟ وجه إصبع الاتهام ضد إسرائيل. في أيلول 2003، على خلفية «الإرهاب» الفلسطيني المتعاظم، نشر بورغ مقالا في «الغارديان» البريطانية، ولاحقا في «لوموند» الفرنسية، تحت عنوان «نهاية الصهيونية»، وفر فيهما أساس المبررات لأعمال القتل الفلسطينية: «لا حاجة لنا لنفاجأ حين يأتون إلينا مفعمين بالكراهية، بعد أن فعلنا لهم كأطفال ما فعلناه. وهم يسفكون دماءهم في مطاعمنا لأنهم يتركون في بيوتهم أهلا وأطفالا جائعين».
كان يفترض ببورغ أن يعرف بأن الفلسطينيين رفضوا اقتراح الدولة. وكان قادة العالم العربي قد أيدوه. ولكن عرفات فضل العنف. لقد كان بورغ يعرف، وبالتأكيد كان يفترض به أن يعرف، بأن كراهية «الانتحاريين» لم تكن نتيجة قمع إسرائيلي بل نتيجة تحريض وغسل للعقول. «الإرهاب»، منذ حينه، لم يكن ضد الاحتلال – بل ضد مجرد وجود إسرائيل.
كانت هذه هي مساهمة بورغ في مسيرة التشهير، نزع الشرعية، ونزع الإنسانية عن إسرائيل. مساهمة هائلة. ولأن هذا كان مقال شخص كان رئيس الوكالة والكنيست، ولأسابيع قليلة في العام 2000 كان القائم بأعمال رئيس الدولة.
واستمر التدهور. أصبح بورغ أحد أعزاء المعسكر. انتُخب مثلا، رئيسا للمجلس الدولي للصندوق الجديد، بالذات على خلفية مواقفه الجديدة. يمكن بالطبع أيضا أن يكون خلاف ذلك. أما شيلي يحيموفيتش فسارت في المسار المعاكس. فقد صوتت في الماضي لحزب حداش «الجبهة الديمقراطية». وقد صحت. الحقائق أثرت عليها. فهي ليست ضد المساواة للعرب. ولكنها أيضا مع دولة قومية يهودية. وهي تثبت أنه يمكن للمرء أن يكون يساريا وصهيونيا معا.
يمكن وينبغي انتقاد إسرائيل. فالسياسة تتضمن أخطاء أيضا. ولكن ما حصل لبورغ – الرفض التام للحق في الدولة القومية اليهودية بذريعة «الحاجة الى المساواة» يحصل للكثيرين في اليسار. الكفاح في سبيل المساواة عادل، ولكن هل حقيقة أنه توجد أقلية سلوفاكية في تشيكيا تنفي الحق في الدولة القومية التشيكية؟ إن ادعاءات بورغ ضد إسرائيل مدحوضة لدرجة أنه يصعب التصديق بأنها تخرج من فم من كان فتى عُجبة لحزب العمل. اذا كان ثمة شيء يتميز به التشهير فهو يكمن ضمن أمور أخرى في عدم الاستقامة الفكرية، في المبالغة منفلتة العقال، في الازدواجية الأخلاقية ضد إسرائيل. هذه هي المتلازمة التي أفقدت بورغ صوابه. هذه هي المتلازمة التي تُفقد الكثيرين في اليسار صوابهم.
والآن يهبط بورغ في حزب أمين سره، أيمن عودة، ويقف على رأس اللجنة ضد الخدمة الوطنية، التي أقامتها لجنة المتابعة العليا        لـ»عرب إسرائيل». فمعارضة الواجبات لا تختلف عن معارضة الحقوق. هذا بالطبع هو الطريق الأكثر أمانا لزيادة الاغتراب بين اليهود والعرب. ولكن لا تقلقوا، فالحديث يدور عن أبرهام بورغ. فهو سيجد المعاذير والمبررات.

عن «يديعوت»