طوباس - محمد بلاص: كان الشهيد حامد حمدان جابر "21 عاماً"، من قرية تياسير شرق طوباس، يحلم ببناء أسرة صغيرة وأن يصبح خيّالاً بعد أن أتقن مهارة ركوب الخيل، حتى فتك رصاص الاحتلال بحلمه، بعد 20 يوماً من زواجه مطلع كانون الأول عام 1989.
واستردت الحلقة العشرون من سلسلة "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية والاتحاد العام للمرأة، التفاصيل الأخيرة في حياة الشهيد جابر الذي سقط على أطراف قريته برصاص جنود الاحتلال.
وأعاد الخمسيني ناجح، وهو شقيق الشهيد جابر، عجلة الزمن إلى الوراء، وتحديدا إلى ما قبل 25عاما، حيث قال: "كان أخي طويل القوام، وحنطي البشرة، وشعره أسود، وأحبه كل من عرفه، ولا ننسى خجله، وهو السادس في العائلة، وكنت أتسابق مع أختي نجاة على من يلعب معه أكثر، وصنعت له ألعاباً من الأسلاك والقماش، وكنا نجر علب السردين الفارغة بخيوط، وعلمته صيد العصافير بفخاخ كنا ندفنها في التراب، وتولع حامد بركوب الخيول في سن مبكرة، لكنهم قتلوه بعد 20 يوماً فقط من زواجه.
تصفية
وتابع الشقيق: "كان حامد يرعى الأغنام في منطقة مراح المختار وخلة جميع في أطراف تياسير وقرب قرية العقبة، قريبا من الشارع الرئيس، عندما شاهد جنود الاحتلال يعتدون على امرأة، فتدخل في محاولة منه لمنعهم، وبعد وقت قصير أكمل عمله، لكنهم أطلقوا رصاصة على ظهره ولحقوا به ووضعوه في جوف شجرة سدر، وقلبوه على صدره".
ووفقا لما قاله جابر، فإن سائق سيارة يدعى محمد العلي، مر على مقربة من المكان، وشاهد حامد يرفع يده، فظن أنه يخبره بوجود جيش الاحتلال في مكان قريب، وبعد وقت قصير عاد إليه، فشاهد إصابته ثم أخبر أفراد عائلته ممن وجدوه يسبح في بركة دمه، ثم نقلوه إلى مستشفى رام الله الحكومي، فمضى 18 يوما يعاني، وفقد وقتها الوعي، إلى أن صعدت روحه إلى السماء.
فرح قصير
يقول ناجح: "حزنا على حامد كثيرا، فهو لم يفرح بزواجه، ولم يكمل حلمه ببناء بيت قريب من منزل العائلة، ولو تركوه كما أصيب، ولم يقلبوه لعاش، كما أخبرنا الأطباء".
وتحتفظ عائلة الشهيد حامد، بكتب ابنها وكراسته بخط يده وحقيبته المدرسية، فيما لا تغادر عيونها وذكرياتها السترة الخضراء التي اخترقتها رصاصات الاحتلال لحظة استهدافه، وتجمع وثائق وتقارير طبية عن ابنها الذي لقبته أسرته "أبو زكي"، وكانت تتمنى لو رزق بابن أو ابنة ليبقى أثره موجوداً في هذه الدنيا.
ويكمل الشقيق: "شعرت أمي يوم إصابة حامد، عصر ذلك اليوم الأسود، أن شيئاً غريباً وقع بعد أن سمعنا صوت إطلاق نار بجوار البيت، وراحت تنادي علينا لتفقد أخي وإعادته إلى المنزل الذي لم يكن يبعد عنه سوى نحو كيلومترين، ولم يمض وقت قصير، حتى جاء السائق ليخبرنا بما حدث، وبدأت دموعها وعويلها.
شهيدان لجسد واحد
واستنادا لما يسكن صدر العائلة، فإن صغيرها "أبو زكي" الذي سقط عن 21 عاماً، عانى من الاحتلال وهو تحت التراب أيضا، حيث أصرت سلطات الاحتلال على أن تنكأ الجراح مرة ثانية، عندما قررت بعد شهر من استشهاده، إخراجه من القبر وتشريح جثمانه، بحجة معرفة سبب الوفاة وطبيعة الإصابة، واشترطت إعادة دفنه بعدد مقلص من أفراد العائلة.
ويؤكد ناجح، أن شقيقه جابر وابن عمه أحمد، قالا عقب إعادة دفن الجثمان مرة ثانية، إن الجسد لم يتحلل، وكانت تنبعث منه رائحة طيبة، لكن أمه حزنت كثيراً، ولم تسمح العائلة لها بوداعه مرة أخرى.
ووصف شقيقه الشهيد قائلاً: "كان حامد فارسا، وتنقل في طفولته عبر الجبال والسهول المحيطة بقريته، وأسهم مع أبناء جيله في مقاومة الاحتلال في بدايات انتفاضة الحجارة، وترك المدرسة لمساعدة العائلة، ومع أن اسم حامد أطلق من جديد على أبناء أخوته وأخواته، إلا أن أحدا لا يشبهه في هيئته ومرحه".
وأنهى قائلاً: "لو كان أخي فوق الأرض اليوم، لكان على أبواب الخمسين من العمر، ولا أنسى العبارة التي كنت أكررها له كل يوم تقريبا قبل استشهاده: (يا حامد ربعك صامد)".
سرد إنساني
بدوره، أكد منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، عبد الباسط خلف، أن برنامج "كواكب لا تغيب"، وثق خلال عشرين حلقة خلت قصصاً لثلاثين شهيداً وشهيدة من مدينة طوباس ومخيم الفارعة وقرى وبلدات طمون وعقابا وتياسير، وجميعهم سقطوا خلال انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987.
وأشار خلف، إلى أن كتابة حكايات شهداء الحرية الإنسانية تكتسي أهمية خاصة، في وقت صارت تتعامل فيه وسائل الإعلام مع الشهداء كأرقام مجردة.