بقلم: إليكس فيشمان
يقضي تقدير شعبة الاستخبارات للعام 2015 بأنه يوجد احتمال لاستئناف المواجهة المسلحة مع غزة ومع الضفة في هذه السنة. وبالفعل، فإن الجهات في هيئة الأركان التي تحتاج الى زمن استعداد أطول من القيادات اللوائية، مثل هيئات العمليات والنقليات، أصدرت منذ الآن أوامر تحسباً لاحتمال المواجهة العسكرية. على خلفية هذا التقويم للوضع، فإن كل شعلة تضيئها «حماس»، السلطة الفلسطينية، أو إسرائيل تلقى معنى متشددا؛ حتى لو كان الحديث يدور عن حدث محلي محدود لا يفترض أن تكون له آثار فورية على أمن المنطقة.
هكذا ينبغي قراءة التدهور الأمني في نهاية الأسبوع في قطاع غزة، في أعقاب إطلاق صاروخ ذي مدى قصير قامت به منظمة لا ترتبط ظاهرا بـ «حماس». وليس واضحا الآن إذا كان إطلاق النار تم كجزء من تجربة صاروخ أو عن قصد، وإذا كانت «حماس» تعرف عن إطلاق النار هذا أم لا. مهما يكن من أمر، فمع أن الصاروخ لم يلحق أي ضرر، إلا أنه من ناحية إسرائيل كانت هذه فرصة لإطلاق إشارة لـ»حماس» من زاوية مختلفة تماما على شكل قصف مصنع لإنتاج الإسمنت. في إسرائيل قلقون من إمكانية أن يصل جزء من عشرات آلاف أطنان مواد البناء، التي ستدخل الى القطاع في إطار عملية إعماره، الى مصانع الإسمنت التابعة لـ»حماس»، فتستخدم لإعادة بناء الأنفاق. وعليه، فإن دولة إسرائيل - التي تعهدت لمواطنيها بأن تمنع حملة الجرف الصامد تسلح «حماس» – بعثت بسلاح الجو الى جنوب القطاع وأصابت عصفورين بضربة واحدة: لبت المطلب الجماهيري بالرد الفوري على النار الصادرة من غزة، وعالجت في الوقت ذاته مسألة مصنع ينتج شرائح الباطون التي استخدمت في بناء الأنفاق.
عمليا، منذ انتهاء القتال في نهاية آب فضلت إسرائيل الهدوء في غلاف غزة على معالجة عملية إعادة البناء العسكري لـ»حماس». لا أحد هنا ساذج: فقد رأت إسرائيل «حماس» تبني قوتها، ولكنها فضلت الهدوء على استئناف المواجهة. وعليه، فينبغي فقط الأمل في ألا يكون التغيير في السياسة الإسرائيلية الذي شهدناه في نهاية الأسبوع يرتبط بالانتخابات القريبة، وهو نابع من اعتبارات أمنية صرفة.
ان فترة الانتخابات، بشكل عام هي وقت ينبغي الحذر فيه بشكل خاص، وذلك لأنه يتميز باستخدام انتهازي تقوم به كل التيارات السياسية للمعلومات الاستخبارية. ففي الأسبوع الأول من وقف النار أعلن وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان، بأن «حماس» بدأت في إعادة بناء الأنفاق، بينما نفى وزير الدفاع، موشيه بوغي يعلون، ذلك. ومنذئذ يواصل موضوع إعادة بناء الأنفاق تغذية السياسيين من هنا ومن هناك، ومن لحظة الإعلان عن الانتخابات في إسرائيل أصبح أداة للمناكفة السياسية.
اليوم أيضا، نجد أن صورة استئناف الحفريات لأنفاق غزة ليست واضحة بكاملها. فلا شك أن الحفريات لا تجري على حجم ووتيرة الفترة التي سبقت «الجرف الصامد»، ورغم أنه من الواضح ان «حماس» معنية جدا بإعادة بناء الأنفاق ومنظومة الصواريخ فقد تقلصت قدراتهم جدا. فمواد البناء تصل بتقنين، إذا وصلت، حيث ان استمرار إنتاج الصواريخ يتم على أساس مواد خام موجودة – وعندما يجري إطلاق النار نحو البحر، فلا يدور الحديث بشكل عام عن تجربة صواريخ من أنواع جديدة، بل عن فحص سلاسل الإنتاج القائمة. ولا تزال محاولات استئناف الاتصالات مع ايران لغرض توريد العتاد والمال في بداياتها. وقبل نحو عشرة أيام وصل الى ايران وفد من «حماس» برئاسة عماد العلمي، رجل القيادة العليا للمنظمة الذي غادر القطاع أثناء «الجرف الصامد» بعد أن فقد ساقا وانتقل للسكن في تركيا. وحاليا لا تزال لا توجد نتائج عملية لهذه اللقاءات.
وفي هذه الأثناء تنشغل «حماس» في إعادة بناء أنفاق التقارب خاصتها – تلك الأنفاق التي توجد داخل القطاع وتخدم قتالها في الأرض المبنية. وهي تستطلع وضع أنفاقها الهجومية، التي يفترض أن تتسلل إلى داخل إسرائيل، ويحتمل جدا ان تكون منشغلة في ترميم الأنفاق التي دمرها جزئيا الجيش الإسرائيلي او ربما تبدأ بحفر أنفاق جديدة. إضافة الى ذلك، ينبغي دوما الأخذ بالحسبان إمكانية ان يكون هناك نفق واحد أو بضعة أنفاق لم يعرف بها الجيش الإسرائيلي ولا يعرف عن وجودها حتى اليوم – ولا يزال، لكن الصورة التي تحاول محافل سياسية في إسرائيل رسمها وبموجبها عادت «حماس» الى قدراتها السابقة في قتال الأنفاق، بعيدة عن الواقع.
في الجيش الإسرائيلي يكررون اليوم القول الذي بموجبه ليس لـ»حماس» مصلحة في فتح جولة عسكرية جديدة. موسى أبو مرزوق هو الآخر، نائب زعيم «حماس»، المتواجد في القاهرة اليوم، قال، الأسبوع الماضي، في مقابلة علنية: «لا نبحث الآن عن أي حرب، نريد بناء قطاع غزة». وأول من أمس، بعد هجوم الجيش الإسرائيلي في القطاع، أضاف أيضا ان «حماس» تعمل مع كل المنظمات في القطاع بهدف الحفاظ على وقف النار، وعدم إعطاء إسرائيل أي ذريعة لتعود للهجوم.
ولكن في السطر الأخير، فإن الإرادة في جهة والواقع في جهة أخرى، والواقع هو واقع انتخابات انفعالية في إسرائيل من جهة وواقع إنساني وسياسي متهالك في القطاع من جهة أخرى – عنصران من شأنهما أن يؤديا الى التدهور الذي يتوقعونه في شعبة الاستخبارات العسكرية.
عن «يديعوت»