تاريخ النشر: 20 كانون الأول 2014

«أحـادي الـجـانـب» يـعـنـي إسـرائـيـل!



بقلم: بيتر باينرت

"إذا كان الفكر يفسد اللغة، فإن اللغة ايضا يمكنها أن تفسد الفكر"، كتب جورج اورويل. فها هو مثلا خطاب الحكومة بالنسبة لجهود محمود عباس لرفع قرار الى مجلس الامن في الأمم المتحدة، كما طرح اول أمس، يحدد جدولا زمنيا لإقامة دولة فلسطينية. على الولايات المتحدة أن تستخدم الفيتو على مثل هذا القرار، قال مسؤول اسرائيلي كبير للصحافيين هذا الأسبوع لأن "السياسة الأميركية الثابتة في الـ 47 سنة الاخيرة هي ضد خطوات احادية الجانب كهذه".
لقد جرى هنا افساد للغة. فحسب غوغل، فإن العمل احادي الجانب هو عمل يتم "دون موافقة من آخر أو آخرين"؛ ولكن المسعى الفلسطيني خاضع لموافقة الآخرين. فالفلسطينيون يطلبون من دول الاعضاء في مجلس الامن ان يؤيدوا انهاء السيطرة الاسرائيلية في الضفة الغربية (من الناحية الرسمية ليسوا هم من يطلبون ذلك بل الاردن، وذلك لأن الفلسطينيين ليسوا أعضاء في مجلس الامن). وبالمقابل، تطلب اسرائيل من دولة واحدة، هي الولايات المتحدة، ان تستخدم الفيتو على القرار. ودون اعتبار للشكل الذي سيصوت به باقي اعضاء مجلس الامن، فأي طرف إذن يدعو الى عمل احادي الجانب.
وفضلا عن ذلك، لماذا تشعر إسرائيل فجأة بالإهانة من احادية الجانب؟ ففك الارتباط عن غزة كان احادي الجانب، وهكذا ايضا بناء جدار الفصل. ومن الصعب التفكير في شيء احادي الجانب اكثر من توسيع المستوطنات: كل العالم يعارضه، ورغم ذلك فإن بنيامين نتنياهو يواصل فيه. عمليا، احادي الجانب، أي فكرة أنه ينبغي لليهود ان يعتمدوا على انفسهم فقط وليس على رحمة أمم العالم، تكمن عميقا في الثقافة السياسية الاسرائيلية. وكالكلمات الشهيرة لدافيد بن غوريون: لا يهم ما يقوله الاغيار، مهم ما يفعله اليهود. وفي الشهر الماضي فقط، في الوقت الذي تحدث فيه بنيامين نتنياهو عن ايران، اعلن بفخار عن احادية الجانب لديه وقال ان اسرائيل تحتفظ بحقها في الدفاع عن نفسها بنفسها.
أما الفلسطينيون، بالمقابل، فأضعف من أن يقوموا بأي عمل احادي الجانب. وهذا هو احد الاثمان الذي يتعين عليهم ان يدفعوه لانه ليس لهم دولة. فمنذ عشرات السنين وهم عالقون في كفاح ثنائي الجانب ضد خصم قوي أقوى منهم بكثير. وعلى مدى عشرات السنين أمل الزعماء الفلسطينيون بان توازن الولايات المتحدة كفتي الميزان، والولايات المتحدة ترفض عمل ذلك. وحتى في التسعينيات، كما كتب أهارون ميلر الذي كان ضمن فريق محادثات السلام في ادارة بيل كلينتون، في كتابه "البلاد الموعودة أكثر مما ينبغي": "لم يكن أي موظف كبير ممن شاركوا في المفاوضات مستعدا أو قادرا على أن يعرض المنظور العربي أو الفلسطيني، فما بالك أن يكافح في سبيله". في الفترات التي تولى فيه ايهود باراك وايهود اولمرت رئاسة الوزراء، وازنت رفض الولايات المتحدة  ممارسة ضغط حقيقي على اسرائيل بقدر ما حقيقة أن زعماء اسرائيل ارادوا ان تقوم دولة فلسطينية على أساس خطوط 67 على هذا الحد أو ذاك (وان كانت دولة أصغر واضيق من تلك التي ارادها الزعماء الفلسطينيون). غير أن الفلسطينيين يقفون اليوم امام زعيم اسرائيلي يرفض هذه الفكرة علنا. وحسب براك رابيد في "هآرتس" ففي اثناء محادثات جون كيري، فإن نتنياهو "فر كما يفر من النار من عرض خريطة أو حتى تصور نظري للموضوع... على مدى كل الاشهر التسعة لم يعطِ نتنياهو بارقة تلميح حول حجم التنازلات الإقليمية التي هو مستعد لأن يقدمها".
وما ان فشلت المحادثات، اتهم الأميركيون نتنياهو بالفشل بحدة. "توجد جملة من الاسباب لفشل جهود السلام"، قال لغير الاقتباس موظف  أميركي لناحوم برنياع من "يديعوت احرونوت" (بالترجمة الحرة): "ولكن محظور ان يتجاهل الشعب في اسرائيل الحقيقة المريرة: المستوطنات هي التي خربت التخريب الاساس للمحادثات". وعلى الرغم من ذلك، رفض الأميركيون الضغط على نتنياهو بالتفاوض بجدية.
ولهذا فإن عباس يطلب الان من الامم المتحدة ما ليست الولايات المتحدة مستعدة لأن تفعله: ان تعطي الفلسطينيين تفوقاً ما. هذا واضح ومنطقي، هكذا تعمل في احيان قريبة الأطراف الضعيفة في الصراعات ثنائية الجانب.
يعرف اوباما بالتأكيد كل هذا جيدا. ففي ضوء تجربته الشخصية في كينيا واندونيسيا، يشعر بالتضامن مع القمع الاستعماري الذي يعاني منه الفلسطينيون في الضفة الغربية. وفي ضوء تجربته الشخصية مع يهود يساريين في شيكاغو، يشعر بتضامن مع الصهيونية الليبرالية التي يمكنها أن تواصل الوجود فقط اذا ما انتهى الاحتلال. المرة تلو الاخرى في فترة رئاسته هجر اوباما مشاعره الأخلاقية الكونية تحت الضغط السياسي الداخلي. وكنتيجة لذلك فانه قد يدخل التاريخ كرئيس لفظ في اثناء ولايته حل الدولتين أنفاسه.
والان، في اواخر رئاسته، لم يعد الفلسطينيون مرة اخرى يطلبون من اوباما انقاذهم. وهم لا يطلبون منه الا ان يخلي الطريق. يوجد منطق في أن تحاول الولايات المتحدة التأثير على بنود قرار الامم المتحدة في موضوع إقامة الدولة الفلسطينية: فمثل هذا القرار يجب أن يشكل حافزا لمفاوضات جدية، والا يأتي في مكانها. ولكن اذا ما استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ومنعت بذلك عن الفلسطينيين أي قدرة للتأثير على اسرائيل – فإن الأمر سيحكم عليهم بـ "مسيرة سلمية" ثنائية الجانب من النوع الذي اعترف موظفو الادارة انفسهم بانه مثابة خدعة.
"قوس العالم الأخلاقي طويل ولكنه يميل نحو العدالة". هكذا درج اوباما على اقتباس مارتن لوثر كينغ. ولكن هذا القول ليس دقيقا. فالقوس يميل نحو العدالة فقط عندما يحنيه بنو البشر فقط. في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني هذه كفيلة بأن تكون الفرصة الأخيرة لاوباما.

عن "هآرتس"