
كتب يوسف الشايب:
أطلق الفنان الفلسطيني زيد هلال ألبومه "وعد فولكلور 1917"، برفقة فرقته الموسيقية، في واحدة من أمسيات "مِشكال" وذلك في المسرح البلدي بدار بلدية رام الله، مساء أول من أمس، مُقدماً، أمام جمهور غصّت به القاعة، ما هو أبعد من مجرد إعادة إحياء للأغاني التراثية الفلسطينية.
وكان مشروع هلال التراثي الفني تحصل على واحدة من منح مشروع "مشكال" للفنون الأدائية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ من معهد "غوته" والمركز الثقافي البريطاني.
وفق رؤية فنية متكاملة، ومشروع ثقافي يعيد قراءة التاريخ وصياغة الهوية في قالب موسيقي معاصر، جاء المشروع في ثماني أغنيات، انطلاقاً من العام "1917"، الذي جاء في إشارة واضحة إلى وعد بلفور، باعتباره الإطار الذي يضع هذا العمل الفني في سياق المواجهة المستمرة، بحيث يصبح الفن والفولكلور سلاحين لحراسة الذاكرة وتأكيد الوجود.
ولكل أغنية من الأغنيات حكايتها، التي فصّلها هلال، فأغنية "حيّد" تدور أحداثها في العام 1936، في ثورة فلسطين الكبرى، التي اشتعلت إثر القمع والظلم القائم من قبل الانتداب البريطاني، وتدور حكايتها حول حب غبيشي الثائر لحسنة الجميلة، بحيث تقدم غبيشي للزواج منها، لكن والدها رفضه لأسباب طبقية ومجتمعية، فيهربان، ما يدفع الأب إلى الاستعانة بالقائد العسكري البريطاني "أبو حنيك" لقتل غبيشي، واستعادة ابنته حسنة، فيما قام الفنان زيد هلال بالاستعانة بصوت الفنانة بدرية يونس منذ خمسينيات القرن الماضي، وإضافة توزيعه وصوته إليها لتجسيد الحالة بشكل متجدد من دون خدش روح الأغنية الأصلية.
أغنية "الأعادي" هي واحدة من الأغاني التراثية الفلسطينية غير المعروفة التي قام هلال بإعادة إحيائها وتتناول روح المقاومة والحيرة التي عاشها الفلسطينيون خلال بدايات الاستعمار البريطاني، حيث غنى فيها، برفقة الجمهور: "هاتوا الجريدة وهاتوا قلمها، تنشوف فلسطين مين استلمها"، في إشارة إلى حالة الضياع التي تبعت وعد بلفور في العام 1917.
"بيا ولا بيك"، أغنية من التراث الشعبي في منطقة حوران، وهي منطقة تاريخية تقع جنوب سورية إلى شمال الأردن، وتحكي الأغنية قصة حب حزينة بين شاب وفتاة فرقتهما الظروف الاجتماعية والمادية.
"زهرة" الأغنية التي كتبها بنفسه، تحمل اسم جدّته، التي لطالما كانت ترتدي الثوب المطرز و"المنديل" الفلسطيني، يتخيّل فيها "كيف كان أجدادنا يحبّون بعضهم بعضاً ذلك الحبّ الخجول، الرقيق، والبسيط".
وتفاعل الجمهور كثيراً مع "أنا من فلسطين"، التي تمزج الجانب الوطني بالعاطفي، قبل أن يقّدم هلال أغنية لم يُدرجها ضمن الألبوم، وهي عبارة عن أغنية كان كتبها حول الواقع الفلسطيني الصعب جرّاء الحواجز العسكرية، وسياسات الاحتلال، خاصة بعد أن لمس الفارق وهو يتنقل بين الدول الاسكندنافية بسلاسة.
وكان مسك الختام مع أغنية "شيل شيل"، أو "تحيا فلسطين"، التي تحوّلت إلى أيقونة عالمية عبر المواقع الموسيقية المتخصصة، كواحدة من الأغنيات التي تتردّد في المسيرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، والتي اعتقد البعض أنها تراثية فلكلورية، حتى أن البعض استخدمها كحال الأغنية التضامنية الأخيرة للفنانيْن المصريّين محمد منير ومحمد حماقي مع فلسطين في افتتاح المتحف المصري الكبير، مؤخراً، أو إعادة غنائها من آخرين كثر، في حين أنها من كلمات الفنان زيد هلال وألحانه وتأليفه الموسيقي.
والأغنية تأتي تجسيداً للألم العميق والنداء العاجل الناتج عن الإبادة المستمرة في غزة، ولصرخات الأطفال الفلسطينيين غير المسموعة، وتعكس صمت العالم أمام هذه الوحشية"، فمن خلال دمج أصوات جوقة الفولكلور الفلسطيني من النساء الكبيرات في السن مع جوقة الشابات، يتحول هذا العرض الحي إلى أكثر من مجرد أداء فني، إنه إعلان عن وحدة الشعب الفلسطيني عبر الأجيال، وكأنه يقول: "نحن نغني معاً، كشعب واحد، صامد في وجه الظلم اليومي، ونعيد صدى نداء للتحرير، والكرامة، والأمل".