تاريخ النشر: 23 تشرين الثاني 2025


آراء
مـثــل مــن بـلــع مـنـجــلاً
الكاتب: عاطف أبو سيف

قوبل القرار الأممي 2803 حول الأوضاع في غزة بالترحاب من كل الفاعلين في المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، رغم أن فيه الكثير من القول.
لقد نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جعل أفكاره حول إنهاء الحرب وتثبيت مجلس سلام دولي بقيادته يتولى تعيين إدارة مؤقتة لقطاع غزة موضع إجماع وخطة دوليين.
هناك الكثير الذي يمكن أن يقال لكن المؤكد أن الفلسطينيين لفترة لا أحد يعرف مدتها لن يكونوا أطرافاً مقررة في مستقبل غزة إلا بقدر قدرة الشركاء الإقليميين خاصة العرب منهم على الضغط من أجل ذلك، وهو ضغط لن يكون له أثر كبير في القرارات النهائية.
الآن على الفلسطينيين أن يتذكروا جيداً الرقم 2803 لأنه سيكون مصدر حديث جديد عن «الشرعية» الدولية. شرعية خاصة بغزة لا بالقضية الفلسطينية.
ولعل المرء لا يستغرب إلا موقف حماس من القرار التي هي شريكة فعلية في صناعته من خلال حواراتها مع إدارة ترامب، بجانب أن أقرب حلفائها من دول الإقليم هي من دفعت تجاه تبنيه.
فحماس التي قبلت أن تكون واشنطن هي الضامن الأهم والأكثر مصداقية وفتحت معها حواراً دافئاً حول الكثير من القضايا بل أهدت ترامب بعض الأسرى مجاناً كنوع من طلب الرضا أو إثبات حسن النوايا، أياً كان، خرجت تحتج وتصرخ وتطالب بتعديل القرار.
هل كانت حماس فعلاً تتوقع قراراً أفضل من هذا؟ وأنا بالطبع مثلكم لا أعرف كيف يمكن أن يكون قرار يتبناه ترامب أفضل من هذا، ومع ذلك فأنا لا أثق بترامب أما حماس فتثق به.
ربما كان على حماس بدل الصراخ أن تقف أمام المرأة وتخاطب ذاتها ثم تلتفت للشعب المهّجر والمنكوب بفعل إدارتها السطحية لحرب إبادة بمثل هذا الحجم وتعتذر له وتضع نفسها أمام المحاسبة والمساءلة.
ولكن مرة أخرى فإن حماس تثبت يوماً بعد آخر أن آخر همها فعلاً هو معاناة الناس، وأن جل ما تسعى إليه هو وجودها حاكمة لغزة سواء كان الأمر تحت احتلال إسرائيلي وبالتنسيق معه كما كان يحدث طوال السبعة عشر عاماً من انقلابها الأسود أو من خلال إيجاد موطئ قدم في الترتيبات الجديدة التي ستلي القرار الأممي الذي تعلن جهاراً أنها ترفضه، مع أنها تبحث عن وسيلة للتكيف معه ومع الواقع الذي سينتج عنه.
وكان يمكن للمرء أن يفهم وربما يحاول أن يتفهم موقف حماس لو كان متسقاً مع المصلحة الوطنية.
وحماس التي لديها تعريفها الخاص للمصلحة الوطنية لا ترى الأمور إلا من جهة مصلحتها الحزبية الضيقة.
والمؤكد أن القرار الأممي الجديد لا نفع كاملاً فيه، كما يصعب تخيل أن يقبل المرء به، لكن حماس تحديداً آخر من يجب أن يتحدث عن الأمر إذ إن مواقفها السابقة طوال عامين من حرب الإبادة كانت تعكس استعراضاً حزبياً خالصاً بعيداً عن معاناة الناس.
وإذا كان السؤال ماذا يريد الناس، فالناس يريدون أي شيء يخلصهم من الحرب بشكل نهائي.
الجائع لا يهمه الهوية السياسية للكوبونة، والذي ترك في العراء بلا بيت ولا طعام ولا شراب ينتظر الموت لا يهمه من سيوفر له الأمن.
الناس تريد للحرب أن تنتهي، وربما هذا هو السبب الوحيد الذي وجد الجميع نفسه يرحب بالقرار لأنه على الأقل يتحدث عن انتهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي ووجود قوة دولية ولجنة إدارة لغزة وتنظيم دخول المساعدات وتوزيعها.
لقد وصل بنا الحال للحد الذي صار فيه مثل هذا القرار إنجازاً يحتفى به من الشارع، الشارع ذاته الذي خرج في تظاهرات تطالب حماس منذ أكثر من عام ونصف العام بإنهاء الحرب لكنها واصلت عنادها وقمعت إرادة الناس.
والآن ماذا تفعل حماس، تحولت لحفارة قبور تبحث عن جثث الأسرى لتسليمها للعدو.
ومع ذلك فإن ثمة الكثير مما يمكن أن يقال حول القرار الأممي، فهو لا يلبي طموحات الفلسطينيين، ولكن مرة أخرى في هذا السياق فإن الطموح الوحيد لدى الناس في غزة هو التخلص من الحرب.
القرار لا يحمل الكثير من البشائر السياسية، فحتى الإشارات حول الأفق السياسي لا تقع إلا في باب الاحتمال، لكنه بالتأكيد يتحدث عن استقرار غزة، رغم أن موضوع إعادة الإعمار أيضاً لا يتم بشكل حازم.  
هناك الكثير مما يمكن قوله، ولكن ليس كل ما يقال يصلح للتداول، وليس كل مرغوب يتحقق.
ولعل موقف المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي يختصر الكثير حول مخاطر القرار، مع ذلك. فألبانيزي اعتبرت أن القرار يتعارض مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ويكرس الوجود الإسرائيلي غير المشروع في الأراضي الفلسطينية ويهدد بمنح شرعية للعنف الجماعي القائم، وتقصد من طرف إسرائيل. ورأت أن مجلس الأمن اختار ألا يربط استجابته للوضع القائم بمنظومة القواعد التي هي في صلب مهامه وتفويضه والتي في جوهرها القانون الدولي لحقوق الإنسان بما فيه حق تقرير المصير وقواعد استخدام القوة.
والأهم في موقفها أنها اعتبرت أن القرار بدل أن يرسم مساراً نحو إنهاء الاحتلال وضمان حماية الفلسطينيين فهو يخاطر بتكريس سيطرة خارجية على «حوكمة» غزة وحدودها وأمنها وإعادة إعمارها.
وهو موقف بحاجة للتوقف عنده لأن فيه الكثير من الوجاهة.  
ومع ذلك بدا الأمر أننا بين موقفين إما أن نقبل باحتلال إسرائيلي وباستمرار الحرب أو نستبدل الاحتلال الإسرائيلي بوصاية دولية.
حالنا مثل من بلع منجلاً. ففي الحالتين ليس لنا قرار، ولن يفيد كثيراً موقفنا، وهذا يفسر الترحاب الشعبي والرسمي الذي قوبل به القرار على علاته.
ليس أمامنا شيء آخر. ربما الشيء الوحيد هو السعي لتحسين الوضع، لتعزيز صمود أبناء شعبنا في غزة وتعويضهم عن المعاناة الكبيرة التي عاشوها تحت حكم حماس وحروبها المستمرة وعلاقتها المتداخلة مع الاحتلال من حقائب المال إلى الحرب.