
كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من قلب قطاع غزة في ظل اتفاق التهدئة، والخروق الإسرائيلية اليومية، كما جرى التركيز على معاناة المواطنين، في ظل استمرار فرض الاحتلال حصاراً على القطاع، وتقنين دخول السلع والمواد الأساسية للقطاع.
ومن بين المشاهد الجديدة، التي رصدتها "الأيام"، مشهد يسلّط الضوء على بقاء مناطق واسعة في قطاع غزة تحت القصف والغارات، ومشهد آخر يكشف دخول 15% فقط من احتياجات سكان القطاع من السلع، ومشهد ثالث تحت عنوان "معاناة انتظار الغاز".
الشجاعية والتفاح وخان يونس تحت النار
تتواصل خروق الاحتلال لاتفاق التهدئة الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من تشرين الأول الجاري، مع تركز الخروق في حيَّي الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، وشرق مدينة خان يونس، حتى شارع صلاح الدين.
وتمثلت الخروق اليومية في إطلاق النار، والقصف المدفعي، وغارات متفرقة من المُسيّرات، ما يتسبب بسقوط شهداء وجرحى بشكل يومي.
وأكد مواطنون أن الاعتداءات على المناطق المذكورة تصاعدت بعد إتمام تسليم الأسرى الإسرائيليين الأحياء، ثم تصاعدت بشكل أكبر بعد جولة الغارات الأخيرة، الأحد الماضي.
وأشار مواطنون إلى أن مناطق شرق ووسط خان يونس، خاصة حي الشيخ ناصر، شهدت قصفاً مدفعياً مكثفاً خلال اليومين الماضيين، حيث كانت القذائف تسقط وسط الشوارع، وعلى المنازل، ما حال دون تمكن المواطنين من الوصول إلى تلك المناطق.
وقال المواطن هشام عايش: إن الاحتلال يعمل على فرض واقع ميداني في مناطق واسعة من قطاع غزة، خاصة الأحياء الشرقية على طول القطاع، إضافة إلى مدينة رفح، وتحويلها إلى مناطق خاضعة لسيطرته، ولا يسمح لأي مواطن بالعودة إليها.
وأكد عايش أن ما يحدث هو احتلال بالنار لتلك المناطق، حيث يلجأ الاحتلال إلى استخدام كثافة نارية كبيرة في أحياء شرق مدينتَي خان يونس وغزة، بهدف قتل أي شخص يحاول الوصول إليها، مع استمرار تحليق الطائرات المُسيّرة فوق تلك المناطق.
بينما ذكر المواطن عبد الله الأسطل أن ما يحدث هو خروق يومية لاتفاق وقف إطلاق النار، "فالاحتلال يسمح لنفسه بخرق الاتفاق عبر القصف، وإخلاء مناطق دون أن يحرك أحد ساكناً، في حين إذا ما فعلت المقاومة ذلك تقوم الدنيا ولا تقعد".
وأوضح الأسطل، الذي يعيش في خيمة بمواصي خان يونس، أنه يسمع يومياً عشرات الانفجارات تنتج عن قصف مدفعي يستهدف مناطق شرق ووسط خان يونس، متسائلاً عن اتفاق التهدئة في ظل هذه الخروق.
وأشار إلى أنه يسمع أيضاً أصوات قصف وعمليات نسف يومية في مدينة رفح، التي لا يسمح لأي مواطن بالوصول إليها، وجرى عزلها تماماً عن باقي أنحاء قطاع غزة.
دخول 15% من احتياجات القطاع
رغم مرور أكثر من أسبوعين على بدء تطبيق اتفاق التهدئة، إلا أن الاحتلال ما زال يفرض قيوداً مشددة على دخول السلع والبضائع لقطاع غزة، وفي مقدمتها المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية.
ويعاني مواطنون من شح شديد في أصناف كثيرة من السلع الاستهلاكية، وفقدان أنواع أخرى، رغم أن الجميع كانوا يتوقعون دخول السلع بكميات كافية، على غرار اتفاق التهدئة في كانون الثاني الماضي.
بينما تشهد الأسعار تذبذباً حاداً، صعوداً وهبوطاً، وتتحكم الشائعات والأخبار السياسية في الأسواق، في حين يميل الكثير من المواطنين إلى تخزين السلع الغذائية في منازلهم وخيامهم، لخوفهم من احتمال إغلاق المعابر في أي لحظة، أو العودة للحرب.
وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن ما دخل قطاع غزة من بضائع ومساعدات خلال الفترة الماضية لا يتجاوز بأحسن الأحوال 15% من احتياجات السوق الفعلية، وهو رقم يعكس عمق الأزمة الاقتصادية، واستمرار سياسة التقطير التي يمارسها الاحتلال عبر التحكم في المعابر.
وبيّن الخبير والمحلل الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أن المتوسط اليومي لدخول الشاحنات لا يتعدى العشرات، مقارنة بما يفترض أن يتجاوز 600 شاحنة يومياً لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات، موضحاً أن هذه الفجوة الكبيرة تسببت باضطرابات مستمرة في الأسعار وحركة العرض والطلب، وجعلت السوق المحلي رهناً للتقلبات السياسية والميدانية.
ولفت أبو قمر إلى أنه ورغم الانخفاض التدريجي الأخير في أسعار السلع، خاصة الخضراوات والفواكه والأجبان، فإن ذلك لم يُترجم بعد إلى تحسن ملموس في القدرة الشرائية للمواطنين، إذ تشير التقديرات إلى أن معدلات الفقر تجاوزت 90%، في حين وصلت البطالة إلى نحو 83%، وهي من أعلى النسب عالمياً.
وأشار إلى أن استمرار المراوغة الإسرائيلية في ملف المساعدات وفتح المعابر بشكل متقطع، يعيق أي فرصة لتعافي الاقتصاد الغزي، في وقت خلقت فيه السياسات الإسرائيلية المتعمدة حالة من التشوه الاقتصادي، جعلت الأسعار غير مستقرة، ومؤثرة بشكل مباشر في حياة المواطنين.
وناشد مواطنون الوسطاء من ضامني الاتفاق بالضغط على الاحتلال من أجل الالتزام ببنود الاتفاق، وإدخال السلع الغذائية والعينية بكميات كافية، كما كان الحال إبان اتفاق التهدئة الماضي.
معاناة انتظار الغاز
يعيش غالبية سكان قطاع غزة معاناة متواصلة، ويواصلون الاعتماد على الخشب والحطب في الطهي وإعداد الخبز، والأعمال المنزلية الأخرى.
ورغم دخول كميات محدودة من غاز الطهي للقطاع، إلا أن السواد الأعظم من المواطنين لم يحصلوا على هذه السلعة المهمة، وينتظرون بفارغ الصبر دورهم لتعبئة جزء من أسطوانة، تسهم في تخفيف معاناتهم اليومية بسبب إشعال النار.
وذكر المواطن محمود زكريا أنه جرى إصدار كشفين للغاز تضمنا آلاف الأسماء، لتعبئة 8 كغم غاز لكل اسم، لكن للأسف حتى الآن لم تتضمن أي من الكشوف اسمه، رغم أنه بحاجة ماسة للغاز.
وأشار زكريا إلى أنه لا يعلم الآلية المتبعة، لكنه يشعر بأنه وغيره من المواطنين تعرضوا للظلم، فيجب أن تكون هناك عدالة في التوزيع، وألا يقتصر على منطقة معيّنة، أو تحصل منطقة على حصة الأسد، وغيرها من المناطق على كميات ضئيلة.
وأكد أنه لا يمتلك خياراً سوى الصبر، وسيواصل شراء الخشب والحطب للاعتماد عليه في الأعمال المنزلية، حتى يحصل على حقه في الغاز، آملاً أن يحدث ذلك في أسرع وقت ممكن.
بينما قال المواطن يحيى طه: إنه يعد نفسه من المحظوظين، وحصل على 8 كغم غاز مقابل 60 شيكلاً، موضحاً أن الكمية التي حصل عليها قليلة جداً، وسعرها مرتفع، مقارنة بثمن تعبئة الأسطوانة كاملة بسعة 12 كغم، حيث كان يبلغ سعر الأخيرة 70 شيكلاً، متسائلاً عن سبب ارتفاع تسعيرة الغاز.
وأوضح أنه وبعد انتظار 7 أشهر تحصل بعض العائلات على 8 كغم فقط من الغاز، وهذا غير كافٍ بالمطلق، خاصة للعائلات الكبيرة.
وبيّن أن الكمية التي حصل عليها لم تغنِه عن إشعال النار قرب خيمته، فهو يخشى ألا يحصل على غيرها، لذلك يقنن استهلاكها إلى أقصى حد ممكن، لتكون للأغراض المهمة، والأكلات السريعة، أو لتجهيز الشاي والقهوة.
كما تساءل طه عن وجود الغاز في السوق السوداء، حيث يصل ثمن الكيلو الواحد إلى 100 شيكل، مشدداً على ضرورة إدارة ملف الغاز بشكل نزيه، وضمن لجنة وطنية، وأن تكون العملية واضحة أمام الجمهور.
ووردت الكثير من الشكاوى من قبل مواطنين، أكدوا من خلالها أن الموزعين يحاولون استغلالهم، عبر رفض الدفع الإلكتروني، والإصرار على دفع الكاش، رغم أن غالبية المواطنين لا يمتلكون الكاش، وبعض الموزعين يرفعون التسعيرة، ويطلبون سعراً أعلى مما تم تحديده من قبل جهات الاختصاص.