تاريخ النشر: 18 تشرين الأول 2025

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. منصة لصوت الرواية الفلسطينية مُجدداً

القاهرة - وكالات: تستعد العاصمة المصرية، لاستضافة الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي ينعقد خلال الفترة الممتدة بين 12 و21 تشرين الثاني المقبل في دار الأوبرا، حاملاً هذا العام بُعداً إنسانياً واضحاً في اختياراته السينمائية التي تضع القضية الفلسطينية في صُلب اهتماماته.
وكشف المؤتمر الصحافي للمهرجان، الذي عُقد في فندق سوفيتيل داون تاون النيل بالقاهرة، عن مشاركة 130 فيلماً تنتمي إلى 50 دولة في مختلف المسابقات والأقسام.
ويتصدر المشهد الفلسطيني هذه الدورة بحضور لافت، إذ تُكرّم الممثلة والمخرجة هيام عباس بجائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، تقديراً لمسيرتها الفنية التي امتدت عقوداً، قدمت خلالها أعمالاً سينمائية رصينة عكست التجربة الإنسانية الفلسطينية في أفلام، مثل: "حيفا"، و"باب الشمس"، و"الجنة الآن"، وغيرها، ولكونها تركت بصمة واضحة في السينما العربية، وتمثل أحد أبرز الأصوات الفلسطينية التي جمعت بين التمثيل والإخراج والكتابة، مانحةً السردية الفلسطينية مساحة أوسع على الشاشة الكبيرة.
وفي المسابقة الدولية، يتنافس فيلم "كان يا ما كان في غزة" للمخرجَين التوأمين طرزان وعرب ناصر على جوائز المهرجان، وهو الفيلم الذي سبق أن حصد جائزة أفضل إخراج في قسم "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي في أيار الماضي، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين وفرنسا وألمانيا والبرتغال وقطر والأردن، وصُوّر في مخيم الوحدات بالأردن على مدار 28 يوماً، إذ استحال التصوير داخل غزة.
أما اللحظة الأكثر رمزية في المهرجان، فتأتي مع اختيار فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية ليكون فيلم الختام الذي سيُعرض في 21 تشرين الثاني في عرضه الإفريقي الأول، وهو العمل التونسي الفرنسي، الذي توّج مؤخراً بجائزة الأسد الفضي، الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في الدورة 82 من مهرجان البندقية (فينيسيا) السينمائي الدولي، ويروي القصة المؤلمة للطفلة الفلسطينية هند رجب، البالغة من العمر ست سنوات، والتي وجدت نفسها محاصرة في سيارة تحت القصف في غزة بعد فقدان عائلتها.
وعلّق رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي على اختيار "صوت هند رجب" كفيلم ختامي قائلاً، إن هذا الاختيار يعكس إيمان المهرجان بدور السينما في الدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مضيفا، إن الفيلم يترك أثراً عميقاً، ويحوّل الفن إلى أداة للتعبير عن العدالة والحرية.
من جهته، قال محمد طارق، المدير الفني للمهرجان، إن اختيار هذا الفيلم للختام يمثل احتفاءً بقدرة السينما العربية على نقل صوت فلسطين إلى العالم، مؤكداً أن السينما قادرة على أن تكون جسرا يوحد الشعوب ويخلد الذاكرة المشتركة.
وإلى جانب التكريمات والأفلام الفلسطينية، أعلن المهرجان عن تكريم أربع شخصيات سينمائية أخرى بجائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، هم: المخرج المصري محمد عبد العزيز، ومدير التصوير السينمائي المصري محمود عبد السميع والمخرجة المجرية إلديكو إينييدي الحاصلة على الدب الذهبي والكاميرا الذهبية، كما يُكرّم المهرجان الفنان المصري خالد النبوي بجائزة فاتن حمامة للتميز، تقديراً لمسيرته الفنية المتنوعة.
وفيما يتعلق بلجان التحكيم، يترأس المخرج التركي نوري بيلجي جيلان لجنة المسابقة الدولية، فيما تضم اللجنة في عضويتها: المونتيرة الإيطالية سيمونا باجي، والمخرج الصيني جوان هو، والمخرجة المصرية نادين خان، والممثلة المصرية بسمة، والمخرجة التونسية ليلى بوزيد، والمخرج الروماني بوجدان موريسانو.
وتضم المسابقة الدولية 12 فيلماً تمثل تنوعاً جغرافياً وفنياً ملحوظاً، من بينها أعمال عربية كالفيلم التونسي "اغتراب" للمخرج مهدي هميلي، والفيلم المغربي "زنقة مالقة" للمخرجة مريم توزاني، والفيلم اللبناني "ثريا حبي" للمخرج نيكولا خوري، والفيلم المصري "ضايل عنّا عرض" للمخرجين مي سعد وأحمد الدنف، وإلى جانب هذه الأعمال العربية، تتنافس أفلام من تركيا وليتوانيا وبلجيكا ومالطا وكندا وبنغلاديش والمملكة المتحدة.
أما في مسابقة آفاق السينما العربية، فتتنافس تسعة أفلام، منها الفيلم اللبناني "كلب ساكن" للمخرجة سارة فرنسيس، والأفلام المصرية: "بنات الباشا" لمحمد العدل، و"شكوى رقم 713317" لياسر شفيعي، والفيلمان التونسيان: "الجولة 13" لمحمد علي النهدي، و"كأن لم تكن" لسارة العبيدي، والفيلم العراقي "فلانة" لزهراء غندور، والفيلم المغربي "كوندافا" لعلي بن جلون، والفيلم السعودي "ضد السينما" لعلي سعيد، فيما تتكون لجنة تحكيم هذه المسابقة من المنتج المغربي كريم إيتونة، ومدير التصوير المصري عبد السلام موسى، وعضوة مجلس إدارة مهرجان لوكارنو نادية دريستي.
وفي تصريحات سابقة، أكد الفنان حسين فهمي أن المهرجان ليس مجرد حدث فني عابر، بل يشكل جزءاً من ذاكرة مصر ووجدان محبي السينما في المنطقة العربية، مشيراً إلى أن السينما لم تكن يوما ترفا، بل وسيلة لتشكيل الوعي الجمعي وفتح نوافذ الأمل في أحلك الظروف.
وفي القسم الرسمي خارج المسابقة، يُعرض الفيلم الإيراني "امرأة وطفل" للمخرج سعيد روستايي، الذي يتناول قصة ممرضة تعمل لتربية أطفالها وتتحضر لزواج ثانٍ، لكن كارثة غير متوقعة تقع وتغير مسار حياتها بالكامل.
وبينما تشهد الساحة السينمائية العربية تراجعاً في حضورها في المهرجانات الكبرى خلال السنوات الأخيرة، يأتي مهرجان القاهرة ليؤكد أن السينما العربية ما زالت قادرة على تقديم أعمال تنافس على المستوى العالمي وتحمل رؤى فنية وإنسانية عميقة.
والأهم من ذلك، أن المهرجان يواصل تمسكه بدوره الريادي في منح منصة للأصوات الفلسطينية، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى رواية القصة الإنسانية لشعب يواجه واحدة من أقسى الكوارث في التاريخ المعاصر.