يتفاخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه وحده من أوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ورسّخ اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، ويتفاخر بأنه أنقذ العالم من ثماني حروب خلال أقل من عام هي عمر ولايته الحالية في البيت الأبيض.
قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، تحدث ترامب مراراً عن سعيه إلى وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، غير أنه لم يتمكن من ترجمة هذا الوعد حتى هذه اللحظة، لكن ثمة ما يدفعه لإنهاء هذه الحرب وكتابة التاريخ بأنه صانع السلام العالمي.
حين طار الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى واشنطن والتقى نظيره الأميركي، أمس، هاتف الأخير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودعاه لعقد لقاء يجمعهما في بودابست المجرية، ومن المرجح أن يحدث هذا اللقاء في غضون أسبوعين من الآن.
زيارة زيلينسكي إلى واشنطن تمحورت حول حصول كييف على صواريخ «توماهوك» الأميركية التي يصل مداها إلى أكثر من 1600 كيلومتر، غير أن الولايات المتحدة مترددة في تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ لأنها تخشى من احتمالات توسيع الحرب في أوروبا، فضلاً عن الخشية من استنزاف المخزون الأميركي من هذه الصواريخ.
في كل الأحوال، ستتوقف واشنطن مؤقتاً عن إرسال الـ»توماهوك» إلى كييف، لأن مكالمة ترامب - بوتين أحدثت نوعاً من التفاؤل بشأن احتمالات حصول انفراجة في ملف الحرب على أوكرانيا، خصوصاً أن كلا البلدين بحاجة إلى وقفها.
ترامب أصبح معنياً بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا انطلاقاً من عدة أهداف، أولها يريد الحصول على «كريديت» يُضاف إلى سجله ويخدمه في تعزيز توجهاته على المستوى الداخلي الأميركي، بالإضافة إلى تعزيز قدرته على المفاوضات الدولية.
ثانياً: تريد واشنطن إغلاق «ماسورة» الإنفاق العسكري على أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه تخفيف العبء المالي وتقليل الأصوات الداخلية المنتقدة للإنفاق الأجنبي الخارجي، وثالثاً: هناك توجه أميركي لإعادة توزيع إمدادات النفط في القارة الأوروبية.
واشنطن تمارس ضغوطاً على أوروبا الغربية للامتناع عن شراء النفط والغاز الروسي، وتضغط على الأخيرة أيضاً بهدف إيجاد خارطة طريق لتقاسم إمداد أسواق النفط العالمي. ورابعاً: يرى الرئيس الأميركي أن التوسط في هذه الحرب وإنهائها يؤكد قوة ونفوذ الولايات المتحدة الدولي ويزيد من وزنها الدبلوماسي.
أما روسيا البوتينية فهي معنية أيضاً بالوصول إلى نهاية للحرب لكن على مقاساتها، وبما يترجم خلاصة «منتصر ومهزوم»، والسبب أن موسكو تريد الخروج من هذه الحرب بمظهر الدولة القوية التي يمكنها مواجهة النفوذ الغربي الذي يحاول تطويقها عسكرياً.
أيضاً، تعتبر روسيا أن أغلب الأراضي التي احتلتها من أوكرانيا هي ملك لها ولا يمكنها بأي حال من الأحوال التفريط أو التنازل عنها، ولذلك تأتي معضلة النقاش حول نهاية الحرب، إذ سبق أن اجتمع كل من الرئيسين الأميركي والروسي في آلاسكا قبل شهرين ولم يحدث أي شي مهم.
من غير المستبعد أن يترك الرئيس الأميركي الملف الروسي - الأوكراني بدون أن يضع بصماته فيه، ولذلك قد يكون لقاء بودابست مختلفاً عن لقاء آلاسكا ويشكل بداية نهاية هذه الحرب التي استنزفت كثيراً من موارد القارة الأوروبية.
ما يلحظ في هذا اللقاء الثنائي أن أوروبا الغربية مستبعدة دائماً من أي مفاوضات أميركية - روسية، علماً بأنها منخرطة من «ساسها إلى رأسها» في هذه الحرب، وكذلك الحال بالنسبة لأوكرانيا التي يبدو أن واشنطن وحدها من يقرر مصيرها.
العبرة أن ترامب لا يريد وجود أي بصمة أوروبية تنهي حرب روسيا وأوكرانيا، ولذلك هو يلعب دور «الصليب الأحمر» لوقف الحروب في العالم وإعطاء المزيد من الزخم السياسي والدولي للولايات المتحدة، لأن ذلك يجعلها في موقع الأفضلية.
الآن، يعيش الرئيس الأميركي حالة من «الزهزهة» عقب توسطه في إنهاء الحرب المفروضة على قطاع غزة، وسيسعده كثيراً إنجاز اتفاق آخر مع روسيا ينهي الحرب في أوكرانيا، وبعدها ربما اتفاق آخر مع إيران لضبط سلوكها النووي.
وربما تشكل الرسوم التجارية العالية المفروضة على الصين تحركاً أميركياً في سبيل ترويضها والاتفاق على صيغة تحقق منفعة للولايات المتحدة الأميركية، ذلك أن ترامب يريد «اصطياد عصفورين بحجر واحد». يريد صناعة السلام والتفاخر بهذا الإنجاز إلى آخر العمر، وتحقيق المصلحة الاستراتيجية لبلاده ببقائها فوق الجميع.
[email protected]