بقلم: رون بن يشاي
كان يوم 13 تشرين الأول 2025 بلا شك يوما مذهلا لمواطني إسرائيل. إن إطلاق سراح الرهائن العشرين الأحياء من أنفاق غزة هو وحده الذي يستحق لقب «التأسيسي» أو «التاريخي». الحدثان الآخران: خطاب الرئيس ترامب في الكنيست ومؤتمر القمة العالمي في شرم الشيخ كانا - في أحسن الأحوال - فرصة لإعلان نوايا إيجابية وطموحة من قبل رئيس أميركي آخر يحاول إقامة «سلام أميركي» في الشرق الأوسط، وفي أسوأ الأحوال كان فرصة لزعيم «غير تقليدي» للقوة الغربية الرائدة لإظهار مواهبه الصامتة وتلقي تدليك غرور مستمر وشامل من الإسرائيليين الممتنين وقادة العالم الذين يخشونه. كانت هناك وعود في معظمها، ولكن في الوقت الحالي لا توجد علامات على تنفيذ خطته لغزة، بما في ذلك نزع سلاح «حماس» ونزع سلاح قطاع غزة.
كان إطلاق سراح المختطفين الأحياء، إلى حد كبير، تحررا لنا، بل أجرؤ على القول - لجميع مواطني إسرائيل - من ضائقة نفسية ومعرفية مروعة زعزعت ليس فقط حياتنا، بل وحكمنا على الأمور، بل عمّقت الانقسام الاجتماعي في البلاد. قالت إحدى الأمهات: «أستطيع أن أتنفس الآن»، حتى قبل أن ترى ابنها يُطلق سراحه، ويبدو لي أنها عبّرت عما شعرنا به جميعا. لكن لإطلاق سراح المختطفين سيظل آثار عملية. وأهمها، بالطبع، إنهاء معاناة عائلات المختطفين وأصدقائهم، والتخلص من الشعور الجماعي بالذنب الذي خيّم على الكثيرين منا منذ السابع من تشرين الأول المروع.
لقد كانت مظاهر الفرح الجماهيرية العفوية التي شهدناها دليلاً لنا وللعالم على أن الضمانات المتبادلة والتكافل بين اليهود ليست مجرد أخلاق، بل حقيقة ملموسة مُرعِبة.
برأيي، فإن الاهتمام الذي أولته وسائل الإعلام العالمية لإطلاق سراح الرهائن، مع وصفها للظروف المروعة التي اختُطفوا فيها، قد عزز بشكل كبير من شرعيتنا في العالم. تابعتُ التغطية الإعلامية العالمية، والتي اتضح منها وجود صلة وثيقة بين إطلاق سراح الرهائن وموافقة إسرائيل على وقف القتال في غزة. بمعنى آخر: استمرت الحرب ليس لأن إسرائيل حاولت ارتكاب إبادة جماعية، بل - كما زعم جزء كبير من وسائل الإعلام العالمية - لأن «حماس» أصرت على احتجاز الرهائن، وإسرائيل، خوفا على مصيرهم، لم تُلقِ سيفها حتى عودتهم إلى ديارهم. ليعذرني القراء على صراحتي، لكن التغطية الإعلامية العالمية لإطلاق سراح الرهائن (وإطلاق سراح «الإرهابيين» الفلسطينيين) كانت أول انتصار واضح لإسرائيل في حملتها ضد هذه الرواية؛ وهي حملة تكبدنا فيها هزيمة تلو الأخرى خلال العامين الماضيين.
الجيش الإسرائيلي حرٌّ أيضاً
من النتائج المهمة الأخرى لإطلاق سراح الرهائن التحسن الملحوظ في حرية العمليات التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام «الشاباك» في قطاع غزة. فقد حدّ الخوف من إيذاء الرهائن بشكل كبير من قدرة الجيش الإسرائيلي على العمل في مناطق عديدة من قطاع غزة، وفي كثير من الحالات منع قوات الأمن من استخدام أساليب عمل فعّالة ضد «القتلة» المختبئين في الأنفاق؛ ناهيك عن الجهد الاستخباراتي المبذول في تحديد مكان الرهائن وفي عمليات تحريرهم، والأضرار المعنوية والسياسية الناجمة عن خلل في المعلومات الاستخباراتية، وعدم تنفيذ عمليات التحرير أو فشلها ومصرع الرهائن.
كل هذا لن يُقيّد قادة ومقاتلي الجيش الإسرائيلي إذا استُؤنف القتال. هذا الاحتمال قائمٌ بالتأكيد حتى في المستقبل القريب، على الرغم من تصريحات ترامب في الكنيست وفي شرم الشيخ. الاتفاق على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب يخضع للاختبار بالفعل في هذه الساعات بسبب سلوك «حماس»، التي بدأت بالتباطؤ في إطلاق سراح الرهائن القتلى الذين كانوا في أيديها. هذا انتهاكٌ واضحٌ وصارخٌ للاتفاقيات بين الوسطاء و»حماس»، وحتى لتصريحات «حماس» نفسها بشأن تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب المكونة من 20 نقطة. في الوقت الحالي، تمتنع إسرائيل بحكمة عن خرق القواعد، وقد لجأت إلى الوسطاء لممارسة نفوذها.
لدى إسرائيل، مع بقاء الجيش الإسرائيلي في معظم أنحاء قطاع غزة، أدوات ضغط قوية على «حماس»، مثل منع دخول الكرفانات، ومنع فتح المخابز، وفتح معبر رفح. ولكن إذا لم يُجدِ ذلك نفعا، فقد تكون هناك آثار عملية واضحة على حرية العمل الموسعة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي بفضل إطلاق سراح الرهائن أحياءً.
في خطابه أمام الكنيست، قال الرئيس الأميركي كل ما هو صحيح من منظور إسرائيلي. وأكد مجددا أن نزع سلاح «حماس» ونزع سلاح غزة يُشكلان مصلحة دولية يجب الإصرار عليها. ودعا إسرائيل إلى تحويل طاقة مواطنيها ومواردها البشرية من الحرب إلى الرخاء والنمو، ووعد بأنه لن يدخر جهدا في إقامة ما يُعرّفه البيت الأبيض الآن بأنه «تحالف إقليمي وسلام بين أتباع الديانات الثلاث»، والذي ستكون إسرائيل جزءا منه من خلال انضمام دول عربية وإسلامية إضافية إلى اتفاقيات إبراهيم.
العائد السياسي لنتنياهو
لم يُدخل ترامب في التفاصيل. بالتأكيد ليس تلك التي من شأنها أن تُصعّب على نتنياهو ووزرائه. فقد امتنع عن ذكر السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية، اللتين ألمح إليهما في الفقرة الأخيرة من خطته المكونة من عشرين نقطة. كان من الواضح أن ترامب ينوي من خلال خطابه أمام الكنيست أن يُقدّم لنتنياهو مكافأة سياسية كبيرة مقابل موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي. الاعتذار لحكام قطر، والموافقة على خطة ترامب، وبشكل عام الموافقة على كل مطلب ونزوة وإعادة صياغة للحقائق تقريبا من جانب الرئيس الأميركي.
ألقى كلٌّ من نتنياهو ورئيس الكنيست، أمير أوحانا، خطاباتٍ مُجاملة ومُشيدة للرئيس الأميركي، بهدفٍ واضحٍ هو الحفاظ على حسن نواياه وخشيةَ أن «يُغير رأيه» فجأةً. وفعل زعيم المعارضة، يائير لابيد، الشيء نفسه (مع أن مقدار الإطراء في الخطاب كان أقل بكثير)، على ما يبدو بدافع التفكير المُتفائل باليوم الذي قد يصبح فيه رئيسا للوزراء ويحتاج إلى حسن نوايا ترامب. أما ترامب، الذي لم يُبقَ غير مبالٍ، فقد كافأه بتعليقٍ مُبتسم: «زعيم معارضةٍ رائع... الآن يُمكنك أن تكون ألطف قليلا يا بيبي، لأنك لم تعد في حالة حرب».
كان هذا التعليق تلميحا واضحا لنتنياهو بأنه من المناسب والمجدي في هذا الوقت وقف سياسته الداخلية الفئوية أو على الأقل تعديلها. وقد أشاد برئيس الوزراء، لكن في الوقت نفسه، ألحق رئيس الكنيست أوحانا ضررا بالغا بالدولة ووحدة الشعب عندما لم يدعُ رئيس المحكمة العليا، إسحق عميت، والمستشارة القانونية لرئيس الوزراء، غالي بهراب ميعارا، إلى المنصة، كما يقتضي البروتوكول. إن ظلال هذا الهجوم السياسي، بالإضافة إلى إجراءات وتصريحات أخرى لكبار مسؤولي الائتلاف، تؤكد لنا أن الوحدة الوطنية والدولة، التي يتوق إليها شعب إسرائيل بأكمله، لن تدوم طويلا.
عمليا، كان مؤتمر شرم الشيخ وسيلةً لترامب لتعزيز رؤيته الإقليمية التي يطمح إليها والتي تهدف خطته إلى تحقيقها، وفي الوقت نفسه، أظهر «قوته الناعمة» على الساحة الدولية، وهو استعراضٌ كان مفيدا جدا له في التنافس الاقتصادي والعسكري بين القوى الذي يُجريه ترامب حاليا.
لقد أظهر للرئيس الصيني، وبوتين، وآية الله خامنئي كيف أنه، وحده، قادرٌ على جمع نخبةٍ من القادة من جميع أنحاء العالم، بين ليلة وضحاها تقريبا في منتجعٍ ناءٍ في الشرق الأوسط، لدعم خطته. جاء معظمهم خوفا من الرسوم الجمركية التي قد يفرضها ترامب عليهم، بينما جاء آخرون، مثل الرئيس الفرنسي ماكرون على سبيل المثال، لأنها كانت فرصةً لهم للانخراط بنشاط في الشرق الأوسط عموما، وغزة خصوصا، من أجل شرفهم الوطني وإرضاء ناخبيهم المسلمين. وقّع ترامب في شرم الشيخ، مع قادة قطر وتركيا ومصر، إعلان مبادئ عاما أدان التطرف (أي «حماس») إدانةً مبهمة، وتضمن بيانا يتعهد بـ»ترتيبات سلام شاملة في قطاع غزة»، إلا أن هذا الإعلان تضمن أيضا بيانا مهما حول «علاقات ودية ومفيدة بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين».
ما حدث فعليا على هامش مؤتمر شرم الشيخ وخلف كواليسه أدى إلى عكس ذلك تماما. كارثة دبلوماسية من منظور إسرائيلي، وتصرف اضطر ترامب إلى استيعابه. سعى الرئيس الأميركي، في إطار ترويج رؤيته الإقليمية، إلى توحيد دول المنطقة المقربة منه والمصالحة معها. لكن ما حدث بالفعل لم يُضف إلا مزيدا من الانقسام والعداء: بدأ ذلك عندما أقنع ترامب، عبر مكالمة هاتفية من مكتب رئيس الكنيست، الرئيس المصري بدعوة نتنياهو إلى المؤتمر، لموازنة دعوة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ولتجنب إعطاء انطباع بأن إسرائيل مُنبوذة عالميا.
عندما امتثل الرئيس المصري لطلب الرئيس الأميركي أثار ذلك سلسلة من الأحداث التي كانت، عند تراكمها وكل منها على حدة، بمثابة صفعة مدوية في وجه إسرائيل، وإلى حد ما لترامب. هدد الرئيس التركي أردوغان ورئيس الوزراء العراقي بأنه إذا حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى المؤتمر، فإنهما سيعيدان طائراتهما ويعودان إلى ديارهما دون أن يهبطا في شرم الشيخ. أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مسبقا أنه لن يأتي، وأرسل وزير خارجيته - على ما يبدو لأنه شعر بالإهانة من حقيقة أن مصر وقطر وتركيا سرقت مركز الصدارة وموقع القيادة في العالم العربي والإسلامي منه ومن المملكة العربية السعودية، وربما أيضا لأنه لا يريد أن ينتزع ترامب وشعبه منه التزاما بتمويل إعادة إعمار غزة وإرسال جنود إلى القوة الدولية لتحقيق الاستقرار في القطاع.
وكأن ذلك لم يكن كافيا، فقد ألغى رئيس إندونيسيا، الذي كان من المفترض أن يزور إسرائيل، وبالتالي يُطبّق عمليا رؤية ترامب الإقليمية، زيارته أيضا. استشاط كبار المسؤولين في بلاده غضبا من تسريب الزيارة المُخطط لها، ويبدو أنه شعر بالخوف من رد الفعل؛ ونتنياهو نفسه بعد أن وافق على طلب ترامب والسيسي، أحرجهما عندما غيّر رأيه وألغى زيارته إلى شرم الشيخ «بسبب العطلة». فشلٌ ذريعٌ بسبعة أخطاء.
ترامب يتحدث، «حماس» تُطلق النار
في المؤتمر، رفض ترامب أي محاولة لتسريب معلومات منه حول آليات تنفيذ خطته كاملةً (بما في ذلك نزع السلاح من قطاع غزة)، إن وُجدت. من المعروف أن وفدا إسرائيليا موجودا في شرم الشيخ، وأن وفدا من الجنود الأميركيين، من أفراد القيادة المركزية الأميركية، موجودون في إسرائيل. ربما يُمثل هذان بداية هذا التنفيذ، لكن لا توجد معلومات أخرى في الوقت الحالي. ولم يأتِ مؤتمر شرم الشيخ أيضاً بأي أخبار حقيقية: فبينما يتحدث ترامب ويصافح أردوغان، تواصل «حماس» إطلاق النار على مواطنيها في شوارع غزة ــ في تظاهرات إعدام صادمة، مصممة لإظهار قوتها وحكمها.
بشكل عام، لم يُبشّر مؤتمر شرم الشيخ بالخير لإسرائيل، ويرجع ذلك أساسا إلى أنه أظهر ميل ترامب إلى تعزيز علاقاته وتأسيس هيكلية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على الدول السنية «المتطرفة»، قطر وتركيا، وليس على الدول السنية المعتدلة بقيادة المملكة العربية السعودية. ومن الحقائق المقلقة أيضا تزايد تدخل تركيا في غزة بدعوة من ترامب، دون أن يتخلى أردوغان تماما عن عدائه العلني لإسرائيل في الوقت الحالي. فهل يمكن الوثوق بتركيا، وهي فرع من جماعة «الإخوان المسلمين» - كما قطر - في نزع سلاح «حماس»؟ هذه الأسئلة وغيرها التي أثارتها قمة شرم الشيخ تُثير قلق القدس الشديد.
عن «واي نت»