تاريخ النشر: 03 تشرين الأول 2025


آراء
خطة ترامب: ليست فرصة بل مَكيدة (1)
الكاتب: محمد ياغي


خطة ترامب ذات الـ 20 بنداً تتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين. تشكيل حكومة انتقالية من فلسطينيين تكنوقراط وخبراء دوليين تحت إشراف هيئة انتقالية دولية تسمى «مجلس السلام»، يرأسها اسمياً الرئيس ترامب، وفعلياً توني بلير. توضع تحت تصرف هذه الهيئة «قوة استقرار» مُسلحة من الدول العربية والغربية هدفها نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وتحقيق الأمن و»ستكون هذه القوة الحل طويل الأمد لأمن غزة الداخلي».
كما تتضمن الخطة، العفو عمن يرغب من أفراد الفصائل وقادتها بالبقاء مُسالماً في غزة، وتسهيل خروج من لا يرغب منهم بذلك. تأهيل المستشفيات والمخابز والبنى التحتية الضرورية فوراً، وإدخال المساعدات الإنسانية تحت إشراف الأمم المتحدة، وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالسجن المؤبد. انسحاب مُتدرج لدولة الاحتلال من القطاع بالتنسيق مع قوة الاستقرار والتموضع في نهاية الانسحاب في المناطق الحدودية داخله. خلال ذلك يتم اصلاح السلطة الفلسطينية وتدريب قوة أمن فلسطينية. وفي «الوقت الذي تتقدم فيه إعادة تطوير غزة، وعند تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتوافر أخيراً شروط مسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية» عندها «سَتُقيم الولايات المتحدة حواراً بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر».
هذه الخطة أولويتها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، والقضاء على المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، وهي تترك حرية التصرف لدولة الاحتلال في غزة، وهي لا تعطي السلطة الفلسطينية أي دور في غزة، وهي أخيراً لا تريد قيام دولة فلسطينية مستقلة.
إنها باختصار شروط دولة الاحتلال الخمسة التي وضعتها لإنهاء الحرب وهي: إعادة الأسرى الإسرائيليين، نزع سلاح المقاومة، تجريد غزة من السلاح، سيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع، وإنشاء إدارة مدنية لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية.
لكن هنالك ما هو أبعد من ذلك بكثير، فالهدف الأساسي للخطة ليس وقف المذبحة وحرب الإبادة التي تقوم بها دولة الاحتلال في غزة، لأن إدارة ترامب بكامل أركانها، لا ترى الفلسطينيين أصلاً. إنهم غير موجودين في الخطة وفي فكر ترامب إلا كمفعول به: هم بلا تمثيل سياسي لا في نقاش الخطة ولا في بنودها، والخطة تعتبرهم مسألة إنسانية يمكن التعامل معها فقط بعد عودة عشرين أسيراً إسرائيلياً الى بيوتهم، وهي لا تعتبر أن قضيتهم قضية تحرر وطني.
في المؤتمر الصحافي الذي أُعلِنت فيه الخطة، لم نسمع كلمة واحدة من ترامب عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة أو الضفة تحت الاحتلال أو عن حقهم في تقرير مصيرهم على أرضهم التي تحتلها إسرائيل.
هذه الخطة هدفها الأساس هو فك العزلة الدولية عن دولة الاحتلال، وإنهاء حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني تحت مسمى أن الحرب قد انتهت، واخيرا هي تهدف الى قطع الطريق على المبادرة السعودية – الفرنسية التي احتضنتها 142 دولة في إعلان نيويورك بالأمم المتحدة في 12 أيلول الماضي، والتي ستؤدي في النهاية إذا ما تمت متابعتها عربياً الى التعامل مع دولة الاحتلال كدولة منبوذة الى أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية. لكن قبل تفصيل ذلك، دعونا نطرح بعض الملاحظات المهمة على خطة ترامب:
أولاً: من التجارب السابقة مع ترامب، الرجل غير موثوق وهو متورط حتى أذنيه في حياكة المؤامرات مع دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين، والسوريين، والإيرانيين والقطريين، وبالتالي لا يُمكن الثقة بأنه سيلتزم ببنود الخطة التي طرحها.
هو أصلاً لم يلتزم بما اتفق عليه مع الزعماء العرب والمسؤولين الذين اجتمع معهم في نيويورك، فالخطة التي عرضها عليهم، وفق موقع أكسيوس، قام كوشنير وويتكوف بتعديلها مع نتنياهو ودريمير، وأصبحت «الشيء» الذي تم الإعلان عنه، والتي قال ترامب زوراً إن العرب وافقوا عليها واعتمدوها.
ثانياً: الخطة نفسها لا تترك باباً لقبولها من قبل المقاومة الفلسطينية، فهي تريد نزع سلاحها دون ضمانات بانسحاب دولة الاحتلال من القطاع، وعودة السلطة الفلسطينية اليها لإدارتها، ولا تفتح باباً موثوقاً لقيام الدولة الفلسطينية على الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 بل إن الرجل تبجح في مؤتمره الصحافي مع نتنياهو بأنه قد اعترف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة الاحتلال في ولايته الأولى « رغم أن العالم جميعه نصحه بألا يفعل».
ثالثاً: الخطة تريد تشكيل هيئة دولية لحكم غزة برئاسة ترامب، وبإدارة توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا أثناء غزو العراق وتدميره العام 2003، وممثل اللجنة الرباعية الدولية في الفترة الممتدة من 2007 الى 2015. بلير شخص مُجرِم خدع شعبه بادعاءات كاذبة عن وجود برنامج لأسلحة الدمار الشامل في العراق من أجل مشاركة الولايات المتحدة في حربها عليه. وهو أيضاً حليف لإسرائيل وخادم أمين لها، كان هو المشرف على إصلاح السلطة الفلسطينية بصفته رئيس الرباعية الدولية. وبالتالي من المُفترض أنه «أصلحها» وإذا فَعل، فما هي الحاجة لإصلاح السلطة مرة أخرى، وإذا لم يفعل، فهو إنسان فاشل وبالتالي لا يجوز مكافأة الفاشل .
رابعاً: الخطة تُخرِج السلطة الفلسطينية من إدارة غزة وتبقي على حالة الانقسام بين غزة والضفة، لأن الفريق الفلسطيني الذي سيعمل تحت إشراف الهيئة الدولية لا علاقة له بها، وهذا أحد المطالب الرئيسة للحكومة الفاشية في إسرائيل. لا «حماس ولا فتح» بلغة نتنياهو، لأن الهدف إلغاء وجود أي كيانية فلسطينية.
خامساً: الخطة تقول بعد استيفاء السلطة الفلسطينية لمعايير الإصلاح «قد تتوافر أخيراً شروط مسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية». وهنا نتساءل من هي الجهة التي ستقول إن السلطة استوفت معايير الإصلاح؟ بالطبع دولة الاحتلال، وهذا لن يحدث مطلقاً لأن دولة يعارض جميع نوابها اليهود قيام دولة فلسطينية لن تقول أبداً إن السلطة قد استوفت هذه المعايير حتى لو عملت ليل نهار من أجل خدمتهم.
لكن لنفترض بأن الدولة التي ستقرر بأن هذه المعايير قد تم استيفاؤها هي الولايات المتحدة، ومن أجل الجدل فقط، فإنها ستكون أمينة وصادقة في تقييمها، فإن كل ما سيحدث بعد ذلك هو أنها «ستفتح حواراً بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر».
لاحظوا رداءة الصياغة، وهي صياغة مقصودة بالطبع: «حوار للاتفاق على أفق سياسي للتعايش». إسحاق شامير، الإرهابي الذي كان مطلوباً لبريطانيا بسبب دوره القيادي في عصابات شتيرن التي اغتالت العديد من البريطانيين، ورئيس وزراء إسرائيل نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أراد لمفاوضات مدريد مع الفلسطينيين أن تستمر عقدين من الزمان، ونجح في ذلك، فالمفاوضات دخلت عقدها الرابع. ترامب مثل شامير، يطرح حواراً سيستمر لنهاية القرن الحالي.
أضف لذلك، لا يوجد في بنود الخطة أي أسس «للحوار الموثوق بشأن الدولة»، حيث لا توجد مبادئ لهذا الحوار مثل القرارات الدولية 242 و338، ولا يوجد وقف للاستيطان في الضفة الغربية، أقله الى حين انتهاء السلطة من إصلاح نفسها والبدء في «حوار التعيش مع إسرائيل». ولا توجد أيضا أية جهة مُحكِمة تقول مثلاً بأن هنالك جهة ما غير جادة في الحوار، ولا توجد تواريخ لا للإقرار بأن السلطة قد صَلُحتْ وأصبحت جاهزة لهذا «الحوار المُستقبلي» ولا متى سيبدأ الحوار ومتى سينتهي، ثم ان التعايش السلمي والمزدهر لا علاقة له بالدولة وحق تقرير المصير ويمكن وصف الحياة تحت الاحتلال بأنه تعايش سلمي ومزدهر طالما لا يوجد أحد يقاوم هذا الاحتلال، وبالتالي لا داعي أصلاً للحوار!
باختصار، لا يوجد شيء في خطة ترامب غير مصالح دولة الاحتلال وما تريده. وأكثر قليلاً من ذلك، مصالح عائلة ترامب ونسيبه كوشنير، الذي يريد من العرب أن يُمَولوا خطة إعمار لقطاع غزة تكون شركاتهم العقارية مسؤولة عنها.  وهنا نتساءل، إذا كان الهدف هو تحقيق ما تريده دولة الاحتلال من نزع سلاح المقاومة والاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على القطاع، ومنع أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، ومنع قيام دولة فلسطينية، فما هي حاجة الفلسطينيين والعرب للولايات المتحدة؟
إذا قرر الفلسطينيون الاستسلام لدولة الاحتلال، وهذا لم يحدث خلال مائة عام من الصراع، فما حاجتهم للوسيط الأميركي من اجل الاستسلام؛ يُمكنهم الاستسلام مباشرة لدولة الاحتلال وبشروط أفضل من تلك التي يطرحها الوسيط.
يحاول الإعلام العربي، تصوير وجود خلاف بين ترامب ونتنياهو حول الخطة المعروضة، بذريعة أن الخطة تعرض دولة فلسطينية وهذا ما لا يريده نتنياهو وحكومته. هذا تزوير مقصود لما هو موجود في الخطة التي لا تَعرض أكثر من حوار حول الموضوع عندما تقرر إسرائيل ذلك، وهي لن تقرر ذلك أبداً من جميع التجارب السابقة.
إن إدارة ترامب نفسها لم تقل يوماً ما بأنها تدعم قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة الاحتلال، وعلى العكس من ذلك، فهي تريد لها أن توسع حدودها بقدر ما تستطيع كونها «دولة صغيرة» في محيط عربي كبير، بكلمات ترامب نفسه.
هذه الخطة يجب رفضها ولا يجب الخوف من أن يُقال أن الفلسطينيين قد أضاعوا الفرصة. لا توجد فرصة هنا، بل مؤامرة على الشعب الفلسطيني، هدفها الأساس إنقاذ دولة الاحتلال من العزلة الدولية، ومن الضغوط التي ستمارس عليها لإنهاء احتلالها، وبهدف إجهاض حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني. لكن هنالك، هدفاً  أكبر، وهو قطع الطريق على المبادرة السعودية- الفرنسية، وهو ما سنفصّله في المقال القادم.