تاريخ النشر: 03 حزيران 2024

رأفت أسعد يزج بنا داخل "مربّع سكني" في غزة!


كتب يوسف الشايب:

 

تحت عنوان "مربّع سكني"، أطلق الفنّان التشكيلي الفلسطيني رأفت أسعد، معرضه الشخصي الجديد، في المتحف الفلسطيني ببلدة بيرزيت، أول من أمس، ورصد فيه انعكاسات حرب الإبادة المتواصلة منذ قرابة الثمانية أشهر على قطاع غزة.
وينقسم المعرض إلى أربع مجموعات أنتجت على مدار خمسة عشر عاماً، كان آخرها بعنوان المعرض، واللوحة المحورية للمعرض، أي "مربّع سكني"، هذا العام، وضمّت لوحات أخرى، متكئاً على نصوص كان يكتبها في ظل العجز الذي رافق أكثر من عدوان على غزة.
وأشار أسعد في التعليق المُرافق لمجموعة "مربّع سكني" إلى أنه "مع بداية الهجوم على قطاع غزة، ومع تغوّل الاحتلال في القتل والتدمير، وارتكاب الجرائم المُفجعة، اقتصرت أفعالنا، نحن البعيدين، على مراقبة الموت عن كثب، وعدّ ضحاياه، والإنصات إلى استغاثات المكلومين في ليل معتم.. كل ما تفعله الحروب أنها تعيد سؤال الجدوى إلى السطح، جدوى الفعل، وطبيعته، وهذا السؤال على وجه التحديد هو الذي جعلني أذهب إلى مرسمي كل يوم، وأنتج أعمالاً فنيّة على صوت نشرة الأخبار"، مُرفقاً نصّاً شعريّاً بعنوان "لكنّه غاب".
وفي تعليقه على مجموعة "غزة مرحبا" (2012)، كتب صاحب المعرض: غزّة مرحبا.. المنطقة المراد الوصول إليها مغلقة حالياً، يُرجى إعادة المحاولة فيما بعد، وشكراً"، مضيفاً: "يقطع الحصار الخانق عن غزة كل أسباب الحياة، ويجعل من الوقود الداخل إليها مُنتجاً غير متوفر مع أنه حيويّ وأساسي للاستمرار، وخصوصاً لتوليد الكهرباء.. ومع السماح بإدخال كميّات محدودة من الوقود فقط، صارت الكهرباء تنقطع لساعات، أما الحرب الأخيرة، فقد أضافت بُعداً جديداً للمأساة، فلم يعد الأمر يقتصر على عزل غزّة فيزيائياً عن العالم، إنما أثيريّاً أيضاً، بعد أن استهدفت آلة الحرب شبكة الاتصالات، وقطعت الخيط الأخير المُتبقي بيننا وبين أهل غزة"، مُرفقاً نصّاً بعنوان "ظل برتقاليّ".
وكان من بين مجموعات المعرض تلك المُعنونة بـ"مشهد غير طبيعي" (2012)، وكتب مُعلقاً على أعمالها، التي جلّها كما سبقها "أكريلك على قماش" بقياسات وألوان متعددة، بأن الاحتلال وظّف "الإسمنت في استخدامات مُغايرة لاستخداماته الطبيعية، فهذه المادة التي نبني منها بيوتنا لنحتمي فيها، وتكون لنا أمناً وأماناً، ومأمناً من البرد والحرّ، صارت مادة للقتل، بعد أن باتت ركاماً فوق رؤوس ساكنيها بفعل الصواريخ"، مذيّلاً تعليقه بنصّ "للموت قلب صخرة"، جاء في مطلعه: "أيها الموت أحترس منك، أحترس من الموتى، وأحبّهم".
المجموعة الرابعة التي تشكل رفقة سابقاتها معرض "مربّع سكني"، فهي الأقدم من حيث الإنتاج، أي "فسفور أبيض"، أو "أبيض فسفوري" كما عنوان النصّ الشعري المرفق، وهي مجموعة لوحات أنجزها أسعد في العام 2009، بعد انتهاء الحرب التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية العام 2008، والتي ذهب ضحيّتها آلاف الأرواح، ليؤكد: حينها، لم أتمكّن من إنتاج أي عمل فنّي، فسطوة الألم وهول الأحداث جعلاني مُكبّلاً، وعوضاً عن ذلك تحوّلتُ إلى الكتابة، وأنتجتُ مجموعة من النصوص، قبل أن أعود إلى الرسم، وإنتاج هذه المجموعة.
وشدّد رأفت أسعد في حديث لـ"الأيام"، على أن اسم المعرض جاء من تكرار كلمتي "مربّع سكني" على نشرات الأخبار منذ اندلاع حرب الإبادة المتواصلة على غزة، متبوعتين بعبارة "يتعرض لقصف من طائرات إسرائيلية، وسقوط شهداء وجرحى، ومنهم من لا يزال تحت الركام"، علاوة على كون لفظ "سكني" بالدارجة لدى بعض الفلسطينيين تعبير عن "اللون الرمادي السائد في العديد من لوحات المعرض".
وختم أسعد: مع الحرب الأخيرة على قطاع غزّة، وجدت نفسي مشوّشاً وعاجزاً تجاه هذا العنف والقتل والهجوم والإبادة.. مع الوقت، ومع اقتصار ولعنا على الجلوس أمام التلفاز، ومع كثافة الأخبار التي تصلنا حول تدمير مربّعات، وعمارات، وأبراج سكنيّة، شعرت بضرورة العودة إلى الاستوديو لفعل شيء حيال هذه المجزرة، وبدأت الربط بين فكرة اللّون الرمادي، كلون قاتم لا تعريف له، وبين الموت الذي يحدث في غزّة، فكانت أعمال "مربّع سكنيّ"، الذي لم أخطط أن يتحوّل إلى معرض.