بقلم: ياعيل شترنهل
بعد فترة هدوء نسبي وقبل النهاية المقتربة للسنة الدراسية، فإن الجامعات في الولايات المتحدة تعود للهياج حول الحرب في قطاع غزة. هكذا، أيضا في هذه المرة تقف في مركز الأحداث المعضلة الرئيسة التي لا تنجح جامعات النخبة في حلها وهي كيفية السماح بحرية التعبير للمتظاهرين من جهة؛ والحفاظ على الشعور بالأمان في الحرم الجامعي من جهة أخرى. في هذه المرة، تقف في مركز الأحداث جامعة كولومبيا في نيويورك التي قررت إدارتها تبني مقاربة حازمة جدا تجاه خيمة الاحتجاج ضد الحرب في قطاع غزة، التي وصفتها رئيسة الجامعة بأنها "خطر واضح وفوري".
يبدو أن رئيسة الجامعة، الاقتصادية المصرية – الأميركية مينوش شفيق، قد استخلصت الدروس من الثمن الذي دفعته قبلها رئيسة جامعة هارفارد ورئيسة جامعة بنسلفانيا، اللتان اضطرتا إلى تقديم استقالتيهما في أعقاب اتهامهما بالفشل في التعامل مع مظاهر اللاسامية في الجامعتين اللتين تولّتا إدارتيهما. لكن اختيار شفيق قمع الاحتجاج عن طريق الشرطة والاعتقال الجماعي للمتظاهرين وتجميد تعليمهم، ليس فقط لم يحل المشكلة، بل عظمها. أدى الاعتقال العلني والموثق للطلاب إلى إقامة خيمة جديدة واستمرار التظاهرات وموجة انتقادات شديدة من قبل أعضاء الكادر الذين اتهموها بقمع حرية تعبير الطلاب والخضوع لضغط سياسي في الحزب الجمهوري.
لقد حاولت شفيق تجنيب جامعة كولومبيا كارثة علاقات عامة مكلفة مثلما حدث في جامعة هارفارد في الجولة السابقة، لكن بدون فائدة. فهي تتعرض للإدانة والاحتجاج من قبل أعضاء الطاقم من كل الأطياف ومن قبل خريجين بارزين من الجامعة. في الوقت نفسه، اعلن أحد المتبرعين اليهود المحافظين بأنه فعليا سيجمد علاقته مع المؤسسة بسبب ما يعتبره عدم التزام كاف بمعالجة اللاسامية.
يظهر الفصل الحالي مرة أخرى حجم الضغط الكبير الذي تعمل من خلاله الإدارات في المؤسسات الأكاديمية البارزة. فمن جهة هي تتعامل مع جيل للطلاب التقدميين الذين يريدون إسماع صوتهم في القضية الفلسطينية – الإسرائيلية، أو من خلال التعبير عن مواقف، التي حتى الحرب الحالية، اعتبرت مواقف غريبة على التيار العام في أميركا. ومن جهة أخرى، هي تقف أمام المتبرعين اليهود الكبار في السن، الذين في الواقع هم معروفون بمواقفهم الليبرالية حول المواضيع الأميركية الداخلية، لكنهم يشعرون بالإخلاص لإسرائيل التي عرفوها في صباهم ويجدون صعوبة في انتقادها. هم يخشون من سماع بعض الشعارات في التظاهرات، ولا يترددون في استخدام المحفظة من اجل استخدام الضغط على المؤسسات كي توقف الاحتجاجات ضد الحرب.
إضافة إلى ذلك، يقف مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، والذي يستمر في استدعاء رؤساء الجامعات إلى جلسات استماع علنية كجزء من الحرب الثقافية الأوسع التي تحدث في أميركا. شفيق نفسها شهدت في الكونغرس حول وضع اللاسامية في حرم الجامعة قبل بضعة أيام وتعرضت للتحذير والتوبيخ من قبل عضوات في الكونغرس، اللواتي أحرجن رؤساء الجامعات في جلسات الاستماع سيئة الصيت في شهر كانون الأول.
الأمر الذي يعمل على تعقيد الوضع اكثر هو حقيقة أن التظاهرات نفسها هي أحداث معقدة. فهي تسمع فيها شعارات تتراوح بين الدعوات إلى إنهاء الاحتلال في أراضي العام 1967 وبين دعوات الدعم لأحداث 7 أكتوبر. في الوسط، تسمع شعارات مثل "من النهر حتى البحر، فلسطين ستكون حرة"، التي تخضع لعدة تفسيرات. في بعض التظاهرة التأكيد هو على دور الولايات المتحدة في الحرب وعلاقة المؤسسات مع الشركات التي تنتج السلاح أو الجهات التي توجد لها نشاطات في المناطق. في التظاهرات يشارك أيضا من يريدون تصفية دولة اسرائيل، الذين مواقفهم تشبه مواقف يساريين عاديين في اسرائيل. خلايا من الطلاب اليهود تشارك بشكل نشط في التظاهرات، ما يهز الادعاء السائد وهو أن مجرد وجودها هو تعبير عن اللاسامية. في الخيمة الجديدة في جامعة كولومبيا أقيم احتفال عشية عيد الفصح لطلاب يهود من حركة "صوت يهودي للسلام"، وهي حركة يسارية مناهضة للصهيونية.
إلى جانب ذلك، يجب على إدارات الجامعات مواجهة مشاعر موضوعية للأضرار وعدم الأمن في أوساط الطلاب. أحيانا يظهر وكأن جزءا من المشكلة هو الطريقة التي تعتبر فيها الجامعة الآن ليست ساحة للفكر الحر المتنوع والمتحدي، بل كمكان الجميع فيه يجب عليهم الشعور بالراحة طوال الوقت.
ليس دائما هذا هو الوضع. ففي بداية الستينيات كانت الجامعات بؤرة للاحتجاجات العاصفة واحيانا العنيفة ضد الحرب في فيتنام، ولأهداف كثيرة أخرى مثل حقوق النساء والسود. المؤرخ المعروف توماس سيغرو، خريج جامعة كولومبيا، وصف الحرم الجامعي في بداية الثمانينيات كساحة سياسية تضج بالحياة، حيث الطلاب اليساريون فيها تظاهروا ضد دعم الولايات المتحدة للديكتاتوريات في أميركا الجنوبية وضد نظام "الأبرتهايد" في جنوب إفريقيا، في حين أن الطلاب من اليمين تظاهروا ضد إعطاء الحق في الإجهاض.
في تلك السنوات، كتب سيغرو بأنه لا يمكن تخيل أن إدارة الجامعة ستقوم باستدعاء الشرطة لاعتقال طلاب أقاموا الخيام ورفعوا الأعلام وتظاهروا بشكل غير عنيف. بالتالي، رئيس شرطة نيويورك اعلن بشكل صريح بأن الطلاب الذين تم اعتقالهم لم يكونوا عنيفين ولم يعارضوا عملية اعتقالهم. من جهة أخرى، ردود الطلاب وأعضاء كادر يهود لم تترك أي مكان للشك بأنه بالنسبة لهم مشاهد وأصوات التظاهرة الأخيرة اعتبرت تهديدا على مجرد قدرتهم في أن يكونوا جزءا من الجامعة.
في الفترة القريبة القادمة، سيتم إجراء الاحتفالات بانتهاء السنة الدراسية في الولايات المتحدة، وهي أجواء احتفالية ستجذب إلى كل جامعة الكثير من الآباء والخريجين، وفي الجامعات الغنية هذه الأحداث تعتبر محفزا لجمع التبرعات، ما يعتمد عليه وجود الجامعات الخاصة والعامة. وسيتعين على إدارات الجامعات حتى ذلك الحين العثور على طريق وسط بين القوى التي تضغط عليها، رغم أنه يصعب في الوقت الحالي معرفة كيفية فعل ذلك.
عن "هآرتس"