تاريخ النشر: 01 كانون الثاني 2015

معركة رفح المستمرة

بقلم: عاموس هرئيل
تقدم الأشرطة التي نشرت، أمس، في موقع «واي نت» من شبكة الاتصال العسكرية في زمن المعركة التي وقعت في 1 آب من هذه السنة في رفح مادة مشوقة للاستماع، يوجد فيها توثيق أصيل لجانبين مركزيين في المعركة، التي بدأت بموت ثلاثة من مقاتلي غفعاتي واختطاف جثة أحدهم، الملازم هدار غولدن: الجهد والخطر الكبيرين اللذين أخذهما على عاتقهم قادة القوات وجنودهم والاستخدام المكثف للنار، في قلب منطقة فلسطينية مأهولة بهدف إحباط الاختطاف.
في الأشرطة يُسمع، ضمن آخرين، قائد كتيبة الدورية اللوائية المقدم ايلي جينو يقول: «المهمة بسيطة. سيلتحق بكم الثاني بلسر (والمقصود الملازم ايتان بونت)، سيدخل مرة اخرى الى الداخل ويُخرج البزة الى الخارج». البزة التي أُخرجت من النفق اضافة الى الاغراض الاخرى أتاحت تلقي معلومات عن وضع غولدن. ولاحقا، سُمع في الاشرطة المقدم جينو يُحدث آخر الأنباء في أن قوات من سييرت متكال ايضا ستصل الى منطقة الحادثة، ويمكن أن نسمع ايضا ردود فعل قسم من المستوى القيادي على استخدام النار في الحادثة. «أكرر، أوقفوا النار! أنتم تطلقون النار كالمتخلفين. أنتم ستقتلون الواحد الآخر. كفى! عندي قتلى منذ الآن، أيها المتخلفون. انتظروا لحظة»، سُمع قائد الكتيبة يطلب في جهاز الاتصال.
لم تُسلم الاشرطة الى موقع الانترنت بشكل رسمي، عبر الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي – حقيقة تعزز فقط انجاز المراسل يوآف زيتون في مجرد نشرها. يبدو أن نسخا منها نقلت، في أعقاب التحقيق العسكري، الى العائلات الثكلى التي قتل أبناؤها في المعركة والى جهات اخرى. في قضية رفح يوجد لاعبون فرعيون كثيرون آخرون، بينهم ضابط في رتبة ملازم ثان من غفعاتي طالبت عائلته الاسبوع الماضي ألا يُظلم وأن يُمنح هو ايضا وساما، على خلفية النية لمنح وسام للملازم ايتان بونت، نائب قائد دورية غفعاتي الذي دخل الى النفق في اثناء المطاردة لخاطفي غولدن.
لا يمكن أن نتجاهل ايضا توقيت النشر. فقد حصل بعد اسبوعين وجدت فيه غفعاتي في العناوين الرئيسة، في موضوعين – التحقيق في الاحداث (وعلى رأسها الشبهات بالتحرشات الجنسية) في كتيبة صبار، وفي أعقابها نُحي من منصبه المقدم ليران حجبي، والحسم المتوقع من النيابة العامة العسكرية حول فتح تحقيق في الشرطة العسكرية في قضية المعركة في رفح.
يوم الجمعة الاسود في رفح هو على ما يبدو الحدث الاكثر شحنا في الحرب التي وقعت في الصيف في قطاع غزة. لمظاهر البطولة من الملازم فوند وآخرين ترافق ايضا استخدام مكثف للغاية لـ»نظام هنيبال» العسكري لاحباط اختطاف الجنود. وحسب مصادر فلسطينية، ففي أعقاب الاستخدام المكثف للنار قتل بين 130 – 150 فلسطينيا، معظمهم مدنيون (الجيش يُقدر بأن عدد القتلى الحقيقي أقل، بالنصف على الأقل). ومع أن النائب العسكري الرئيس، اللواء داني عفروني، أمر منذ الآن بفتح 13 تحقيقا آخر حول الحرب، فإن معظمها في قضايا قتل مدنيين، في موضوع رفح لم يتخذ القرار بعد.
في قضية صبار أمر عفروني التحقيق تحت طائلة التحذير في الشرطة العسكرية مع فنتر للاشتباه بطمس الشكاوى ضد قائد الكتيبة، ولكن بعد وقت قصير من ذلك قرر اغلاق الملف الجنائي ضد قائد اللواء (التحقيق الجنائي ضد قائد الكتيبة حجبي لا يزال مستمرا وكفيل بأن ينتهي بالتقديم الى المحاكمة). أما قرار عفروني بالنسبة لفنتر فأثار انتقادا شديدا في المراتب الميدانية، ولكن مثلما كتب في «هآرتس» يوم الجمعة الماضي كانت هذه مجرد المقدمة. في عهد رئيس الاركان الحالي، بني غانتس، يتمتع عفروني بحرية عمل كاملة دون التدخل في قراراته. تفكره الذاتي الذي أبداه رفعه الى مسار الصدام مع القادة، والذي يصل ذروته الآن. والتوتر الحقيقي بين النيابة العامة والقادة يتعلق بالتحقيقيات في «الجرف الصامد»، التي قضية يوم الجمعة الاسود على رأسها. والآن تجري أمام أعيننا معركة رفح الثانية. وهي تجري في أروقة هيئة الاركان وفي الساحة الاعلامية، وليس في الميدان. يمكن التقدير بأن هذه هي احدى الحجج التي تسعى الى التأكيد من هو الذي سرب أشرطة شبكة الاتصال الآن بالذات: من يتجرأ على التحقيق مع قادة أبطال كهؤلاء واستنادا الى أي اتهامات؟.
عوفر فنتر، في هذه المرحلة هكذا يبدو خلافا لارادته، يواصل الوقوف في قلب هذه العاصفة. معسكر آخر ينتظر كل كبوة له. ووسائل الاعلام ايضا تتعاون في الجلبة حول مغناطيس العناوين الرئيسة التي توفرها غفعاتي. وعند السعي الى مشاهدة شريط الفيديو الذي حرروه في «واي نت» وتنشر فيه أشرطة الاتصال نشاهد أولا اعلانا. الاعلان (بالصدفة للضمادات الصحية) يضمن «مئة بالمئة حماية وتعطيل للروائح الكريهة». ما كان يمكننا أن نصوغ هذا على نحو أفضل.
مئير هار – تسيون كمثال
مسألة التحقيقات، سواء في كتيبة صبار أم في قضايا غزة المختلفة، وقفت في خلفية ندوة المنتدى العملياتي للجيش الاسرائيلي الذي شارك فيه أول أمس، قادة الوحدات من رتبة الكتيبة فما فوق، وخُصص لدروس الحرب في غزة. وقال غانتس في خطابه إن القائد العملياتي الجريء والاكثر تميزا ايضا «حتى وإن كان مثل مئير هار – تسيون» ملزم بأن يستوفي المعايير القيمية التي يحددها الجيش. وبعد ذلك أوضح بأن الاقتباس الشهير عن بن غوريون «لتعرف كل أم عبرية أنها أودعت مصير ابنها في أيدي القادة الجديرين بذلك»، تنطبق من ناحيته ايضا على مصير البنات المجندات. أقوال رئيس الاركان، مثل نشر الأشرطة، تعزز التقدير بأن البحث في قضايا جفعاتي، التي تختلف جدا الواحدة عن الاخرى، لا يزال بعيدا عن الانتهاء.

عن «هآرتس»